اعْتَرَضُوا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْخَبَرِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ عَبْدًا لَا وَلَدًا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، هُوَ لَكَ فَهَذِهِ الْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمِلْكَ دُونَ النَّسَبِ.
وَالثَّانِي: مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: " هُوَ لَكَ عَبْدٌ " وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ التَّنَازُعَ كَانَ فِي نَسَبِهِ دُونَ رِقِّهِ فَكَانَ الْحُكْمُ مَصْرُوفًا إِلَى مَا تَنَازَعَا فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَّلَ بِالْفِرَاشِ وَالْفِرَاشُ عِلَّةٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ دُونَ الرِّقِّ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّنَا رُوِّينَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ أَخًا " وَمَا رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هُوَ لَكَ عَبْدٌ " مَحْمُولٌ عَلَى النِّدَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ يَا عَبْدُ فَحَذَفَ حَرْفَ النِّدَاءِ إِيجَازًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: ٢٩] يَعْنِي يَا يُوسُفُ.
وَالِاعْتِرَاضُ الثَّانِي: أَنْ قَالُوا: دَعْوَى النَّسَبِ تَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَدَعْوَى الْمِلْكِ تَصِحُّ مِنْ بَعْضِهِمْ.
وَقَدْ كَانَ لِزِمْعَةَ ابْنٌ هُوَ عَبْدٌ الْمُدَّعِي، وَبِنْتٌ هِيَ سَوْدَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَمْ تَدَّعِ، فَدَلَّ عَلَى قُصُورِ الدَّعْوَى عَلَى الْمِلْكِ دُونَ النَّسَبِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الدَّعْوَى بِالنَّسَبِ دُونَ الْمِلْكِ. فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَفَرُّدَهُ بِالدَّعْوَى مَعَ إِمْسَاكِ سَوْدَةَ مُحْتَمِلٌ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا لِاسْتِنَابَتِهَا لَهُ لِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِحُجَّتِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ وَارِثَ أَبِيهِ دُونَهَا؛ لِأَنَّ زِمْعَةَ مَاتَ كَافِرًا وَقَدْ أَسْلَمَتْ سَوْدَةُ قَبْلَهُ وَأَسْلَمَ عَبْدٌ بَعْدَهُ، فَوَرِثَهُ عَبْدٌ دُونَهَا، فَلِذَلِكَ تَفَرَّدَ بِالدَّعْوَى.
الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ: أَنْ قَالُوا: قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ أَخًا لَهَا لَمَا حَجَبَهَا عَنْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَفَى نَسَبَهُ وَلَمْ يُلْحِقْهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ لِعَبْدٍ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ نَسَبِهِ، وَالْحُكْمُ بِالدَّعْوَى مَحْمُولٌ عَلَى إِثْبَاتِهَا دُونَ إِبْطَالِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ لَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الرِّقِّ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَأَمْرُهُ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا لِأَنْ يُبَيِّنَ بِذَلِكَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحْجُبَ زَوْجَتَهُ عَنْ أَقَارِبِهَا فَيَصِيرُ ذَلِكَ مِنْهُ ابْتِدَاءً لِبَيَانِ الْحُكْمِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ رَأَى فِيهِ شَبَهًا قَوِيًّا مِنْ عُتْبَةَ، وَقَدْ نَفَاهُ الشَّرْعُ عَنْهُ بِالْفِرَاشِ الثَّابِتِ لِغَيْرِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ إِمَّا بِطْرِيقِ الِاسْتِظْهَارِ، وَإِمَّا لِأَنْ تَرَى سَوْدَةُ مَا فِيهِ مِنَ الشَّبَهِ بِعُتْبَةَ فَتَرْتَابَ فِي نسبه.