للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: الْإِمْكَانُ، وَالْإِمْكَانُ يَكُونُ بِاجْتِمَاعِ شَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِمْكَانُ الْوَطْءِ.

وَالثَّانِي: إِمْكَانُ الْعُلُوقِ، فَأَمَّا إِمْكَانُ الْوَطْءِ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ مُجَوَّزًا، سَوَاءٌ عُلِمَ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ اجْتِمَاعُهُمَا وَأَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَطْءٌ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ، وَأَمَّا إِمْكَانُ الْعُلُوقِ فَيَكُونُ بِاجْتِمَاعِ شَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يُولَدُ لِمَثَلِهِ، فَإِنْ كَانَ طِفْلًا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَضَعَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ لِمُدَّةٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا فِيهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ لِلْعِلْمِ بِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْعَقْدِ، فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُحُوقِهِ بِالْعَقْدِ وَالْإِمْكَانِ لَمْ يَلْحَقْهُ إِذَا اسْتَحَالَ الْإِمْكَانُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِمْكَانُ الْوَطْءِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْعَقْدِ إِمْكَانُ الْعُلُوقِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا وَالْوِلَادَةُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنَّ عُلِمَ أَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا حَتَّى قَالَ فِي ثَلَاثَةِ مَسَائِلَ حَكَاهَا الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ مَا يَدْفَعُهُ الْمَعْقُولُ مِنْهَا فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَطَلَّقَ فِيهِ لِوَقْتِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِهِ مَا هُوَ أَضْيَقُ مِنْ هَذَا وَأَشْنَعُ، وَهُوَ إِذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِذَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا طُلِّقَتْ عَقِبَ نِكَاحِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا وَغَابَ عَنْهَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ ثُمَّ بَلَغَهَا خَبَرُ مَوْتِهِ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي سِنِينَ وَجَاءَتْ مِنْهُ بِأَوْلَادٍ ثُمَّ قَدِمَ الْأَوَّلُ لَحِقَ بِهِ جَمِيعُ أَوْلَادِهَا دُونَ الثَّانِي؟ وَالْأَوَّلُ مُنْكِرٌ لَمْ يَطَأْ، وَالثَّانِي مُقِرٌّ قَدْ وَطِئَ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي رجل بالمشرق وتزوج امْرَأَةً بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِهِ أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَيْهَا لَمْ يَصِلْ إِلَّا فِي سِنِينَ، وَاسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ ذَلِكَ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ " قَالَ: وَالْفِرَاشُ هُوَ الزَّوْجُ، وَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ.

(بَاتَتْ تُعَانِقُنِي وَبَاتَ فِرَاشُهَا ... خَلْفَ الْعَبَاءَةِ بِالدِّمَاءِ غَرِيقًا)

يَعْنِي بِقَوْلِهِ بَاتَ فِرَاشُهَا أَيْ زَوْجُهَا، قَالَ: فَجَعَلَ الْوَلَدَ لِلزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ إِمْكَانِ الْوَطْءِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ إِمْكَانَ الْفِعْلِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْفِعْلِ لِأَنَّ إِمْكَانَ الزِّنَا لَا يَقُومُ مَقَامَ الزِّنَا وَإِمْكَانَ الْقَتْلِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَتْلِ، كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>