الصَّلَاةِ، وَإِنِ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَهِيَ فِي العدة حتى تتمم فَتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي نَفْسِهَا حَتَّى تَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الذِّمِّيَّةِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَجَمِيعُهَا زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ الْمُقَدَّرِ، وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إِلَّا بِالْغُسْلِ وَحْدَهُ مَعَ كَمَالِ الْحَيْضِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ بَقَاءَ الْغُسْلِ مِنْ بَقَايَا أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ بِانْقِضَائِهِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ قَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] فَفِي الظَّاهِرِ وُجُوبُ غَيْرِهَا فَصَارَتِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مُخَالِفَةً الظاهر كالنقصان منها، وقال: {وإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بالمعروف} فَأَبَاحَهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِهِنَّ التَّصَرُّفَ فِي أَنْفُسِهِنَّ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ غُسْلًا وَلَا صَلَاةً؛ وَلِأَنَّهَا عِدَّةٌ مَنَعَتْ مِنَ الْأَزْوَاجِ فَوَجَبَ أَنْ تَرْتَفِعَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ كَالْحَيْضِ الْكَامِلِ، وَلِأَنَّ مَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِكَمَالِ مُدَّتِهِ انْقَضَتْ بِنُقْصَانِ مُدَّتِهِ كَالْحَمْلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنِ الْغُسْلُ مَشْرُوطًا فِي ابْتِدَائِهَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي انْتِهَائِهَا لِقُوَّةِ الِابْتِدَاءِ وَضَعْفِ الِانْتِهَاءِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ بَقَاءَ الْغُسْلِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ الْحَيْضِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فَسَادُ اعْتِبَارٍ بِالْحَيْضِ الْكَامِلِ وَمُرُورِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ بَقَاءَ الْغُسْلِ فِيهِمَا لَا يُوجِبُ بَقَاءَ الصَّلَاةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُسْتَحَقٌّ لِلصَّلَاةِ وَوَطْءِ الزَّوْجِ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْعِدَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مَا يُوجَبُ لَهُمَا مُسْتَحَقًّا فِيهِمَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ شَرْطُهُمُ الْغُسْلُ لِلْعِدَّةِ فِي بَعْضِ الْحِيَضِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ الْحِيَضِ، وَأَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى بَعْضِ الْمُعْتَدَّاتِ مِنَ الْمُسَلِّمَاتِ وَلَمْ تُوجِبُوهُ عَلَى الذِّمِّيَّاتِ وَجَمِيعُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ سَوَاءٌ وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَنِ اغْتَسَلَتْ إِلَّا قدر الكف وبين ما اغْتَسَلَتْ إِلَّا قَدْرَ الْأُصْبُعِ وَكِلَاهُمَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ، وَأَقَمْتُمُ التَّيَمُّمَ مَقَامَ الْغُسْلِ فِي اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ تُقِيمُوهُ مَقَامَهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عِنْدَكُمْ بِالتَّيَمُّمِ وَأَقَمْتُمُ الْغُسْلَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ مَعَ التَّيَمُّمِ مَقَامَ الْغُسْلِ بِمَاءِ الْقِرَاحِ وَمَنَعْتُمُوهَا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهَا مَعَ انْقِضَاءِ عَدَّتِهَا وَإِبْطَالِ رَجْعَتِهَا وَلَمْ تَحْكُمُوا بِذَلِكَ فِي غُسْلِهَا فَجَعَلْتُمُوهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مُعْتَدَّةً وَغَيْرَ مُعْتَدَّةٍ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَدَمْتُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَصْلًا فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ وَقَدْ مَنَعْتُمْ بِهِ مِنَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَمِنَ النَّفْيِ مَعَ الْجَلْدِ وَلَمْ تَمْنَعُوا مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مع الأقراء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute