للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَشْبَهَتْ حَالَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَقَدْ كَانَ مُخَيَّرًا فِي نَقْلِهَا كَذَلِكَ بَعْدَهُ وَيَكُونُ هَذَا السُّكْنَى مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَإِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَمَوْضِعُهَا مُتَعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا منه لغير موجب وهي التي يجعلها مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَحْصِينِ الْمَاءِ وَحِفْظِ النَّسَبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَوْضِعُ الْمُعَيَّنُ لِسُكْنَاهَا هُوَ الْمَسْكَنُ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتي بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] يَعْنِي مِنْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ وَإِضَافَتُهَا إِلَيْهِنَّ لِاسْتِحْقَاقِهِنَّ سُكْنَاهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهَا.

فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلزَّوْجِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْرَاجُهَا مِنْهُ إِلَّا بِالْبَذَاءَةِ وَالِاسْتِطَالَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تَبْدُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ هِيَ الزِّنَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْهُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا، وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخراجها من منزل زوجها لاستطالة وذرابة لِسَانِهَا، فَإِذَا خَرَجَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنَ السُّكْنَى وَوَجَبَ نَقْلُهَا إِلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ الْمُمْكِنَةِ مِنْهُ لِتَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا تُنْقَلُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ مُسْتَحِقِّيهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إِلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَوْ بَذَأَ عَلَيْهَا أَحْمَاؤُهَا نقل أحماؤها عنه، وَلَمْ تُنْقَلْ هِيَ لِتَكُونَ النُّقْلَةُ عَنْهُ لِمَنْ بَذَأَ أَوِ اسْتَطَالَ، فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ الزَّوْجِ يَضِيقُ عَنْهُ أُقِرَّتْ فِيهِ وَأُخْرِجَ الزَّوْجُ مِنْهُ وَلَمْ تُجْبَرْ إِذَا انْفَرَدَتْ فِيهِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ لِاسْتِطَالَةٍ وَلَا بَذَاءَةٍ لِتَفَرُّدِهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ لِاسْتِطَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَأُخْرِجَ مِنْهُ الزَّوْجُ إِنْ كَانَ نَازِلًا فِيهِ، وَلَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِأُجْرَتِهِ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ تُطَالِبْهُ بِالْأُجْرَةِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السُّكْنَى فَفِيهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ كَالنَّفَقَةِ لَوْ وَجَبَتْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَدْ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ فَصَارَ الْإِمْسَاكُ عَنْهَا عَفْوًا وَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ لِغَيْرِهِمَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ بإجارة فهي لازمة لا تَخْرُجُ مِنْهُ كَمَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكٍ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ دُونَهَا، فَإِنْ حَدَثَ اسْتِطَالَةٌ وَبَذَاءَةٌ فَعَلَى مَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ عَارِيَةً فَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْمُعِيرِ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى الْعَارِيَةِ لَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُهَا مِنْهُ وَإِنْ رَجَعَ عَنْهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى اسْتَدَامَتِهَا لِأَجْلِ الطَّلَاقِ وَجَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>