فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ الْأُولَى عَنْ عَقْدٍ، وَالثَّانِيَةُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَصُورَتُهُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا فَهَذَا الْوَطْءُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ " الرَّجْعَةِ " وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَطْءُ مُحَرَّمًا فَلَا حَدَّ فِيهِ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ وَأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَاسْتِحْقَاقِ التَّوَارُثِ، وَذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الشُّبُهَاتِ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ لَكِنْ يُعَزَّرَانِ إِنْ عَلِمَا تَحْرِيمَهُ وَلَا يعزران إن جهلاه، وعليهما أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ يُوجِبُ لُحُوقَ النَّسَبِ وَيَدْخُلُ فِي عِدَّةِ الْوَطْءِ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ لِحِفْظِ مَاءٍ وَاحِدٍ فَتَدَاخَلَتَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ حَامِلًا.
فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتٍ الشُّهُورِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ يَدْخُلُ فِيهَا مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ شَهْرٌ وَبَقِيَ مِنْهَا شَهْرَانِ كَانَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ، وَالشَّهْرُ الثَّانِي مِنَ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَمِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ وَلَهَا فِيهِمَا النَّفَقَةُ، وَلَهُ فِيهِمَا الرَّجْعَةُ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِيهِمَا لَمْ يُحَدَّ وَكَانَ الشَّهْرُ الثَّالِثُ مُخْتَصًّا بِعِدَّةِ الْوَطْءِ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِيهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ، وَأَجْزَأَهَا عَنِ الْعِدَّتَيْنِ فَإِنْ كان الوطء بعد أن مضى قرءان مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ كَانَ الْقُرْءُ الْأَوَّلُ آخِرَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَأَوَّلَ عِدَّةِ الْوَطْءِ وَلَهُ فِيهِ الرَّجْعَةُ وَعَلَيْهِ فِيهِ النَّفَقَةُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إن وطئ فيه وكان القرءان الْآخَرَانِ مُخْتَصَّيْنِ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ لَيْسَ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ وَلَا عَلَيْهِ فِيهِمَا نَفَقَةٌ وَإِنْ وَطِئَهَا فِيهِمَا حُدَّ.
وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَخْلُ حَمْلُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ حَادِثًا بَعْدَ الْوَطْءِ، فَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الطَّلَاقِ فَعِدَّتُهَا مِنَ الطَّلَاقِ تَكُونُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَعِدَّتُهَا مِنَ الْوَطْءِ تَكُونُ بِالْأَقْرَاءِ، وَهُمَا جِنْسَانِ وَفِي تَدَاخُلِهِمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَتَدَاخَلَانِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَعَلَى هَذَا تَنْقَضِي عَدَّتَاهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَضَعْ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَتَدَاخَلَانِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسَيْنِ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْحُكْمَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute