الْمَيِّتَةِ كَوُجُودِهِ فِي لَبَنِ الْحَيَّةِ وَلِأَنَّهُ لَبَنُ آدَمِيَّةٍ وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ فِي زَمَانِ التَّحْرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا لَوْ شربه في حياتنا.
وَلِأَنَّهُ لَبَنٌ لَوْ وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ فِي حياتها ثبت من التَّحْرِيمُ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ التَّحْرِيمُ إِذَا وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا كَالْمَحْلُوبِ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ.
فَاسْتَوَى وُجُودُهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْوَفَاةِ كَالْوِلَادَةِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوْتِهَا أَكْثَرُ مِنْ سُقُوطِ فِعْلِهَا، وَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ كَمَا لَوِ ارْتَضَعَ مِنْهَا فِي نَوْمِهَا.
وَلِأَنَّ لَبَنَهَا مَا مَاتَ بِمَوْتِهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِهِ التَّحْرِيمُ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ " وَهَذَا اللَّبَنُ مُحَرَّمٌ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمُ مَا كَانَ حَلَالًا مِنْ قَبْلِهِ، وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ يَنْتَفِي مِنْ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الرَّضَاعَ ثَبَّتَ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، فَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمَيِّتَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا فِي الْحَيَاةِ لَمْ يَثْبُتْ بِوَطْئِهِ التَّحْرِيمُ كَذَلِكَ ارْتِضَاعُ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ. وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ إِذَا اتَّصَلَ بِحَيَاتِهَا زَالَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ إِذَا اتَّصَلَ بِمَوْتِهَا كَالْوَطْءِ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِانْفِصَالِهِ مِنْ ثَدْيِ الْأُمِّ وَوُصُولِهِ إِلَى جَوْفِ الْوَلَدِ فَلَمَّا كَانَ وَصُولُ اللَّبَنِ إِلَى الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهَا مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ انْفِصَالُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ.
وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ أَحَدُ جِهَتَيِ التَّحْرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْمَوْتُ مِنْ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ كَالْوَلَدِ، وَلِأَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا أَسْقَطَ حُرْمَةَ وَطْئِهَا وَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ حُرْمَةَ لَبَنِهَا كَالزِّنَا، وَلِأَنَّ الرَّضَاعَ كَالْجِنَايَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ضَمَانِ التَّحْرِيمِ وَالْمَيِّتُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ ثَبَتَ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَيِّتًا لَوْ سَقَطَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ ضَمِنَهُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا حَافِرُ الْبِئْرِ إِذَا حَدَثَتْ بِهَا جِنَايَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوُجُودِ الْحَفْرِ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، وَإِذَا سَقَطَ بِالْمَوْتِ حُكْمُ الْجِنَايَةِ سَقَطَ بِهَا حُكْمُ الضَّمَانِ.
وَلِأَنَّ لَبَنَ الرَّضَاعِ مَا أَنْبَتَ اللحم وأنشزالعظم، وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَثْبُتْ رَضَاعُ الْكَبِيرِ، وَلَبَنُ الْمَيِّتَةِ دَاءٌ لَا يَنْبُتُ بِهِ اللَّحْمُ وَلَا يَنْتَشِرُ بِهِ الْعَظْمُ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُجَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْخَبَرَيْنِ.
وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى شُرْبِهِ فِي حَيَاتِهَا أَنَّ لَبَنَ الْحَيَّةِ يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَيُنْشِزُ الْعَظْمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute