[المائدة: ٤٥] لَهُ فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ لِلْمَجْرُوحِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ.
وَالثَّانِي: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لِلْجَارِحِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا، وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ لَنَا.
قِيلَ: فِي لُزُومِهَا لَنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخٌ.
وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُنَا إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] بِالرَّفْعِ وَهَذَا خَارِجٌ عَنِ الْخَبَرِ إِلَى الْأَمْرِ.
وَالثَّانِي: مَا رَوَى حُمَيْدٌ عن أنس قال: كسرت الربيع بنت مسعود وَهِيَ عَمَّةُ أَنَسٍ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لَا وَاللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ " فَرَضِيَ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ.
فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ فِي السِّنِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَدَلَّ عَلَى لُزُومِهَا لَنَا، وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ مِنَ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " ثَمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ، فَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ ".
وروي عن البني أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَهُوَ بِهِ بِسَوَاءٍ " يَعْنِي سَوَاءً فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وهو معتبر بالتكافئ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ تَعَلَّقَ بِالْقَتْلِ حَقَّانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلَّهِ.
وَالثَّانِي: لِلْمَقْتُولِ.
فَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ فَشَيْئَانِ الكفارة والمأثم.