قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا تَكَافُؤُ الْأَحْكَامِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَمُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا فَيُقْتَصُّ مِنَ الأَدْنَى بِالْأَعْلَى وَلَا يُقْتَصُّ مِنَ الأَعْلَى بِالْأَدْنَى، وَهُوَ أَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَافِرُ ذِمِّيًّا، أَوْ مُعَاهِدًا، أَوْ حَرْبِيًّا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُعَاهِدِ وَالْحَرْبِيِّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكِتَابِيِّ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْمَجُوسِيِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَبِقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَرِوَايَةِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ وَقَالَ: " أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ ".
وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ قَتَلَ مُشْرِكًا، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْأَلُهُ عَنْ مُسْلِمٍ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ يَقْتَادَ مِنْهُ.
وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ مَنْ قُتِلَ بِهِ الْكَافِرُ جَازَ أَنْ يُقْتَلَ بِالْكَافِرِ كَالْكَافِرِ.
وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ قُتِلَ بِأَهْلِ مِلَّتِهِ جَازَ أَنْ يُقْتَلَ بِغَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِهِ كَقَتْلِ الْيَهُودِيِّ بِالنَّصْرَانِيِّ.
وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ سَاوَى الذِّمِّيَّ فِي حَقْنِ دَمِهِمَا عَلَى التَّأْبِيدِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا كَالْمُسْلِمِينَ.
وَلِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِ الذِّمِّيِّ أَغْلَظُ مِنْ حُرْمَةِ مَالِهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِ تُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ بِيَدِهِ، وَلِأَنَّ كَافِرًا لَوْ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ لَمْ يَمْنَعْ إِسْلَامُهُ مِنَ الاسْتِيفَاءِ لِلْقَوَدِ، كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْكَافِرِ قَتْلُ الْمُسْلِمِ دَفْعًا عَنْ نفسه، كان قبله قَوَدًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحَالَيْنِ قَتْلُ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: ٢٠] فَكَانَ نَفْيُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا يَمْنَعُ مِنْ تَسَاوِي نُفُوسِهِمَا، وَتَكَافُؤِ دِمَائِهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ بِالْجَنَّةِ لِجَوَازِ كُفْرِهِ، وَلَا عَلَى الْكَافِرِ بِالنَّارِ لِجَوَازِ إِسْلَامِهِ.
قِيلَ: الْحُكْمُ وَارِدٌ فِي عُمُومِ الْجِنْسَيْنِ دُونَ أَعْيَانِ الْأَشْخَاصِ، وَقَدْ قَطَعَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْجَنَّةِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ بِالنَّارِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى