للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعِرْضِ، وَالْقَوَدُ يَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ النَّفْسِ، فَلَمَّا سَقَطَ عَنِ الْمُسْلِمِ حَدُّ قَذْفِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْقَوَدُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ النَّفْسِ أَغْلَظُ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانُوا أَكْفَاءَ فَلَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمْ عَلَى غَيْرِ الْأَكْفَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عُمُومٌ خُصَّ بِدَلِيلٍ.

فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] فَهُوَ قِصَاصٌ لَهُمْ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَ قِصَاصًا عَلَيْهِمْ.

وأما حديث عبد الرحمن بن الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُثْبِتُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، وَالْمَرَاسِيلُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، وَلَوْ سُلِّمَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَا تَجْرِي عَلَى الْعُمُومِ.

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَسْلَمَ بَعْدَ قَتْلِهِ فَقَتَلَهُ بِهِ، وَإِذَا احْتُمِلَ هَذَا وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنِ الِاحْتِجَاجِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ فَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ طَرِيقَهُ ضَعِيفٌ وَرُوَاتَهُ مَجْهُولُونَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمَاتَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ؛ فَاسْتَحَالَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ.

وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنْتَ تَأْخُذُ الْعِلْمَ، من بَعُدَ لَيْسَ لَكَ بِهِ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِنَا يَعْنِي: أَهْلَ الْحَرَمَيْنِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ بَيْنَهُمْ فَكَانُوا بِأَقْوَالِهِ وَأَصْحَابِهِ أَعْرَفَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ فِي رِوَايَتِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَسُولٌ مُسْتَأْمَنٌ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ دَلِيلٌ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَنْكَرَ عَلَيْهِ.

وَرَوَى لَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ " وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ لَهُ: لَا تَقْتُلْ أَخَاكَ بِعَبْدِكَ فَرَجَعَ عَنْهُ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنْ لَا تَقْتُلَهُ بِهِ، فَصَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ حُقِنَ دَمُهُ بِدِينِهِ وَأَنَّ دِينَهُ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِرْقَاقِهِ فَخَالَفَ الْكَافِرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>