للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ إِذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا إِذَا كَانُوا لَهُ أَكْفَاءَ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ مِنَ الجَمَاعَةِ وَاحِدًا يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى خِيَارِهِ، وَيَأْخُذَ مِنَ البَاقِينَ قِسْطَهُمْ مِنَ الدِّيَةِ، وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَفِي التَّابِعِينَ: قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا قود على واحد من الجماعة بحال، وتؤخذ مِنْهُمُ الدِّيَةُ بِالسَّوِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ: رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] فَاقْتَضَى هَذَا الظَّاهِرُ أَنْ لَا تُقْتَلَ بِالنَّفْسِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْسٍ، وَلَا بِالْحُرِّ أَكْثَرُ مِنْ حُرٍّ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣] وَمِنَ السَّرَفِ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ.

وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُقْتَلُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ " وَهَذَا نَصٌّ ولأن الواحد لا يكافئ الجماعة لا يُقْتَلُ بِالْجَمَاعَةِ إِذَا قَتَلَهُمْ، وَيُقْتَلُ بِأَحَدِهِمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ دِيَاتُ الْبَاقِينَ؛ كَذَلِكَ إِذَا قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ لَمْ يُقْتَلُوا بِهِ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْوَصْفِ إِذَا مَنَعَتْ مِنَ القَوَدِ حَتَّى لَمْ يُقْتَلْ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلَا مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، كَانَ زِيَادَةُ الْعَدَدِ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ مِنَ القَوَدِ، فَلَا يُقْتَلُ جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ، وَلِأَنَّ لِلنَّفْسِ بَدَلَيْنِ قَوَدٌ وَدِيَةٌ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِقَتْلِ الْوَاحِدِ دِيَتَانِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا قَوَدَانِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَسَبَبُ الْحَيَاةِ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ الْقَاتِلُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ إِذَا قَتَلَ كَفَّ عَنِ القتل، فحي القاتل والمقتول، فلو لم تقتص مِنَ الجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، لَمَا كَانَ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ، وَلَكَانَ الْقَاتِلُ إِذَا هَمَّ بِالْقَتْلِ شَارَكَ غَيْرَهُ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا وَصَارَ رَافِعًا لِحُكْمِ النَّصِّ.

وَرَوَى أَبُو شُرَيْحٍ الْكَعْبِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ثَمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ، فمن قتل بعده قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>