للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ الْوَارِثِ لِقَتْلِ الْعَمْدِ فِي عَفْوِهِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ جَائِزَ الْأَمْرِ مَالِكَ التَّصَرُّفِ فَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الْقَوَدِ وَعَنِ الدِّيَةِ جَمِيعًا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ قَلَمٌ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الْقَوَدِ وَلَا عَنِ الدِّيَةِ جَمِيعًا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ:: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَجْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ فَهَذَا قَدْ يُسْتَحَقُّ مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَرِكَةِ الْمَقْتُولِ دُيُونٌ وَوَصَايَا فَتَتَعَلَّقُ بِدَيْنِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، فَيَصِيرُ الْوَارِثُ فِي حُكْمِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تُقْضَى الدُّيُونُ وَتُنَفَّذَ الْوَصَايَا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فِي حُقُوقِ غُرَمَائِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبُوا مَالَهُ فِي دُيُونِهِمْ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، لِسَفَهٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حِفْظًا لِمَالِهِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ مَرِيضًا يُمْنَعُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ مِنَ العَطَاءِ إِلَّا فِي ثُلْثِهِ فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ يَصِحُّ عَفْوُهُمْ عَنِ الْقَوَدِ إِلَى الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يُؤَثِّرُ فِي حُقُوقِهِمْ وَالْعَفْوَ عَنْهُ أَرْفَقُ بِهِمْ وَفِي صِحَّةِ عَفْوِهِمْ عَنِ الدِّيَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَجْعَلُ قَتْلَ الْعَمْدِ فِيهِ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ وَحْدَهُ وَالدِّيَةُ لَا تَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْوَارِثِ، فَيَصِحُّ عَفْوُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَيُعَارَضُ فِيهِ وَلَا يَمْلِكُهَا إِلَّا بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الِاخْتِيَارِ، لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ عَمَّا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْوَصَايَا وَالْهِبَاتِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَفْوَ الثَّلَاثَةِ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَجْعَلُ قَتْلَ الْعَمْدِ فِيهِ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ، أَوِ الدِّيَةَ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ مَالٍ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ.

فَأَمَّا الْمَرِيضُ فَعَفْوُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلْثِهِ، فَإِنِ احْتَمَلَ ثُلْثُهُ جَمِيعَ الدِّيَةِ صَحَّ عَفْوُهُ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا صَحَّ عَفْوُهُ عَنْ ثُلْثِهَا وَبَطَلَ عَنْ بَاقِيهَا فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِ مِنَ الدِّيَةِ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>