مَنْ جَعَلَ الْبَازِلَةَ شَجَّةً زَائِدَةً بَيْنَ الْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ فَيَجْعَلُ مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ سَبْعًا.
ثُمَّ السِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَمُورُ جَمِيعَ اللَّحْمِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى سِمْحَاقِ الرَّأْسِ وَهِيَ جِلْدَةٌ تَغْشَى عَظْمَ الدِّمَاغِ، وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْمِلْطَاةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا بَيْنَ الْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ فَيَجْعَلُ شِجَاجَ مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ ثَمَانِيًا، وَلَا أَعْرِفُ لِهَذِهِ الْمِلْطَاةِ حَدًّا يَزِيدُ عَلَى الْمُتَلَاحِمَةِ وَتَنْقُصُ عَنِ السمحاق فيصر وَسَطًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الشِّجَاجِ الَّتِي قَبْلَ الْمُوضِحَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ بِالنَّصِّ، وَأَوَّلُ الشِّجَاجِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِتَقْدِيرِ أَرْشِهَا الْمُوضِحَةُ لِانْتِهَائِهَا إِلَى حَدٍّ مُقَدَّرٍ فَصَارَ أَرْشُهَا مُقَدَّرًا كَالْأَطْرَافِ، وَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّرْ أَرْشُ مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ نَصًّا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ: أَنَّ فِيهَا حُكُومَةً يَخْتَلِفُ قَدْرُهَا بِاخْتِلَافِ شَيْنِهَا تَتَقَدَّرُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يَصِيرُ مَا قَدَّرُهُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا مُقَدَّرًا مُعْتَبَرًا فِي غَيْرِهَا، لِجَوَازِ زِيَادَةِ الشَّيْنِ وَنُقْصَانِهِ، فَإِذَا أَفْضَى الِاجْتِهَادُ فِي حُكُومَةٍ أَرْشُهَا إِلَى مِقْدَارٍ يَنْقُصُ مِنْ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ مِنْ صِفَةِ الِاجْتِهَادِ أَوْجَبْنَا جَمِيعَهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ الْمُوضِحَةِ أَوْ سَاوَاهَا لَمْ يُحْكَمْ بِجَمِيعِهِ وَنُقِصَ مِنْ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّيهِ الِاجْتِهَادُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ شَيْنَهَا لَوْ كَانَ فِي مُوضِحَةٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى دِيَتِهَا، فَإِذَا كَانَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ دِيَتِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَجِبُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَكْثَرُ مِنَ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي النَّفْسِ إِلَّا الدِّيَةُ فَهَلَّا وَجَبَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِحَسَبِ الشَّيْنِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ.
قِيلَ: لِأَنَّ مَا دُونُ الْمُوضِحَةِ بَعْضُ الْمُوضِحَةِ وَبَعْضُهَا لَا يُكَافِئُهَا وَلَيْسَتِ الْأَطْرَافُ بَعْضَ النَّفْسِ، لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَتَبَعَّضُ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي النَّفْسِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ أُرُوشَهَا مُقَدَّرَةٌ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا تَقَدَّرَتِ الْمُوضِحَةُ وَمَا فَوْقَهَا بِالنَّصِّ وَلَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ الْمَقَادِيرِ اجْتِهَادًا كَمَا تُقَدَّرُ الْقُلَّتَانِ بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ اجْتِهَادًا، فَجَعَلَ فِي الْحَارِصَةِ بَعِيرًا وَاحِدًا، وَجَعَلَ فِي الدَّامِيَةِ وَالدَّامِغَةِ بَعِيرَيْنِ، وَجَعَلَ فِي الْبَاضِعَةِ، وَالْبَازِلَةِ، وَالْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةَ أَبْعِرَةٍ، وَجَعَلَ فِي الْمِلْطَاةِ، وَالسِّمْحَاقِ أَرْبَعَةَ أَبْعِرَةٍ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الشِّجَاجِ مِنَ الْمُوضِحَةِ، فَكَانَ أَرْشُهَا أَقْرَبَ الْأُرُوشِ إِلَى دِيَةِ الْمُوضِحَةِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْحَارِصَةُ أَوَّلَ الشِّجَاجِ كَانَ فِيهَا أَوَّلُ مَا فِي الْمُوضِحَةِ وَكَانَ فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مَا يَقْتَضِيهِ قُرْبَةً مِنْ أَحَدِهِمَا فَلِذَلِكَ رَتَّبَهُ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا بالظاهر فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا دَخَلَهُ الِاجْتِهَادُ بِحَسَبِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَ حُكْمُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَسْتَقِرَّ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِمِقْدَارٍ مَحْدُودٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ ولا ينقص
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute