له وضربها بخشبة كانت يَدِهِ فَطَارَتْ مِنْهَا شَظْيَةٌ فَفَقَأَتْ عَيْنَهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَدُهُ يَدُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى عَصَبَتِهِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ اعْوَجَّ سَيْفُهُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أَبْطَلَ جِهَادَهُ " وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَلَا عَاقِلَتِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الْعَمْدِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْخَطَأِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ ضَرَبَ مُشْرِكًا بِالسَّيْفِ فَرَجَعَ السَّيْفُ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَامْتَنَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَالُوا قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَاتَ مُجَاهِدًا شَهِيدًا " فَدَلَّ الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّ هَذَا جَمِيعُ حُكْمِهِ، وَلَوْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ لَأَبَانَهَا، لِأَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ بَيَانَ الْأَحْكَامِ عَنْ أَوْقَاتِهَا، وَلِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ أَغْلَظُ مِنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ فلما أهدر عمده كان خطأه أَهْدَرَ، وَلِأَنَّهُ يُوَاسَى بِدِيَةِ الْخَطَأِ تَخْفِيفًا عَنْهُ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ مَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ تَخْفِيفًا عَنْهُ، فَصَارَ هَدَرًا وَجَرَى مَجْرَى اسْتِهْلَاكِهِ مَالَ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِبَدَلِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَمَّا قَضَاءُ عُمَرَ فَهُوَ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْقِيَاسُ بِخِلَافِهِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْهُ والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute