الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي وَاسْتَأْنَفَ الْيَمِينَ وَلَمْ يُجْزِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى إِرَادَتِهِ، لِاحْتِمَالِهِ وَيَعْمَلُ فِيهِ عَلَى بَيَانِهِ، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ مَا أَخَذَهُ بِالْقَسَامَةِ ظُلْمٌ أَوْ حَرَامٌ وَهَذَا مُحْتَمِلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْقَسَامَةِ عَلَى رَأْيِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ ظُلْمٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ حِينَ أَوْجَبَ الْقَوَدَ بِالْقَسَامَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ دَعْوَى اللَّوْثِ كَاذِبَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ دَعْوَى الْقَتْلِ دَعْوًى كَاذِبَةٌ، فَلِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ مَا وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى إِرَادَتِهِ وَيَعْمَلَ فِيهِ عَلَى بيانه وينقسم بيانه ثلاثة أقسام:
أحدهما: مَا لَا تَبْطُلُ بِهِ الْقَسَامَةُ وَلَا الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْحُكْمَ بِهَا ظُلْمٌ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ يَقْصِدُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَلَا تَبْطُلُ قَسَامَتُهُ، وَلَا يَسْتَرِدُّ مَا أَخَذَهُ، لِأَنَّ نُفُوذَ الْحُكْمِ يَكُونُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لَا بِاجْتِهَادِ الْمُدَّعِي لَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الدِّيَةُ، إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَإِنْ لَمْ تُسْتَرْجَعْ مِنْهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا تَبْطُلُ بِهِ الْقَسَامَةُ وَتَبْطُلُ بِهِ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِالْكَذِبِ فِيهَا أَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْقَتِيلِ، أَوْ يَدَّعِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِقَتْلِ أَبِيهِ غَيْرُهُ فَتَبْطُلُ قَسَامَتُهُ وَدَعْوَاهُ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَيَصِيرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَرِيئًا مِنَ الدَّعْوَى، وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْقَسَامَةِ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ لِإِكْذَابِهَا بِالدَّعْوَى الْأُولَى، فَتَصِيرُ بَاطِلَةً فِي عُمُومِ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ فِيهِ وَيَصِيرُ دَمُ أَبِيهِ هَدَرًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا تَبْطُلُ بِهِ الْقَسَامَةُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ أَنَّ قَتِيلَهُ قُتِلَ فِي غَيْرِ مَحَلَّةِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَبْطُلَ الْقَسَامَةُ لِبُطْلَانِ اللَّوْثِ فِيهَا بِإِقْرَارِهِ وَلَا تَبْطُلُ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ مَحَلَّتِهِ، وَالْقَوْلُ فِيمَا بَيَّنَهُ بِإِرَادَتِهِ مِمَّا لَا تَبْطُلُ بِهِ الْقَسَامَةُ، أَوْ لَا تَبْطُلُ بِهِ الدَّعْوَى قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي دَمٍ وَإِنَّمَا هِيَ فِي شَأْنِ كَلَامٍ مُحْتَمَلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute