وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْكَلَامُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ " قَالُوا: وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ فَوَجَبَ أَنْ يُبْطِلَ سَهْوُهُ الصَّلَاةَ كَالْحَدَثِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ يُبْطِلُ كَثِيرُهُ الصَّلَاةَ فَوَجَبَ أَنْ يُبْطِلَهَا قَلِيلُهُ كَالْعَمْدِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦]
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهَتْ عَلَيْهِ "، فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ الْإِثْمِ، قِيلَ: رَفْعُ الْخَطَأِ يَقْتَضِي رَفْعَ حُكْمِهِ مِنَ الْإِثْمِ وَغَيْرِهِ
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - العصر فسلم من اثنتين فقال ذو اليدين أقصرت الصلاة أن نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا: نَعَمْ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَهُوَ قَاعِدٌ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ "
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثلاثٍ مِنَ الْعَصْرِ وَدَخَلَ الْحُجْرَةَ فَنَادَى الْخِرْبَاقُ وَهُوَ رَجُلٌ بَسْطُ الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَسَأَلَ النَّاسَ فَأُخْبِرَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سجد في السَّهْوِ، وَسَلَّمَ، فَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ إِذَا وَقَعَ عَنْ سَهْوٍ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَلَاتَهُ، فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ عَلَى مَا حَكَاهُ الزُّهْرِيُّ، قِيلَ: هَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَاسْمُهُ عُمَيْرُ بن عبد عمرو بْنِ نَضْلَةَ الْخُزَاعِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي نَقَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ قِصَّتَهُ اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ عَاشَ إِلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ وَقُبِرَ بِذِي خَشَبٍ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهُ، فَإِنْ قِيلَ فَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مُضْطَرِبٌ مِنْ وَجْهٍ ثَانٍ، وَهُوَ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي نَقْلِهِ فَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنِ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ بَنَى قَبْلَ انْصِرَافِهِ، وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ وَانْصَرَفَ إِلَى حُجْرَتِهِ ثُمَّ عَادَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَفِي اخْتِلَافِهِمَا، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ دَلِيلٌ عَلَى اضْطِرَابِهِ وَبُطْلَانِهِ، قِيلَ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُؤَدِّي إِلَى الْقَدْحِ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالطَّعْنِ عَلَيْهِمْ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute