أحدهما: أنه خطاب للحكام فيمن زنا مِنْ عُمُومِ النِّسَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ للأزواج فيمن زنا من خصوص نسائهم فأمسكوهن في البيوت، وَهَذَا خِطَابٌ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْأَزْوَاجِ دُونَ الْحُكَّامِ؛ لِأَنَّ الْأَزْوَاجَ بِحَبْسِ نِسَائِهِمْ فِي الْبُيُوتِ أَحَقُّ مِنَ الْحُكَّامِ، وَلَوْ تُوَجِّهَ إِلَى الْحُكَّامِ لَأَمَرُوا بِحَبْسِهِنَّ فِي الْحُبُوسِ دُونَ الْبُيُوتِ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ بهذا الحبس انتظاراً للموعد حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ إِنْ تَأَخَّرَ بَيَانُ الْحَدِّ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا إِنْ وَرَدَ بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَدِّ، ثُمَّ قال تعالى: {واللذان يأتيانها منكم} واللذان تثنية الذي، وفيهما وجهان:
أحدهما: أنها الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ يَأْتِيَانِهَا يعني الفاحشة، وهي: الزنا {منكم} يعني: من المسلمين {فآذوهما} ، وهذا خِطَابٌ تَوَجَّهَ إِلَى الْحُكَّامِ فَآذُوهُمَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِالْحَبْسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَالثَّانِي: بِالْقَوْلِ مِنْ تَوْبِيخٍ وَزَجْرٍ، {فَإِنْ تَابَا} يَعْنِي من الزنا قيل وُرُودِ الْحَدِّ {وَأَصْلَحَا} يَعْنِي: بِالْعِفَّةِ عَنِ الزِّنَا بالنكاح {فأعرضوا عنهما} يحتمل وجهين:
أحدهما: فأطلقوها إن قيل: إن الأذى ها هنا الحبس.
والثاني: فكفوا عن الإغلاظ لهما إن قيل: إن الأذى ها هنا التَّوْبِيخُ وَالزَّجْرُ فَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْآيَتَيْنِ موعداً بالحد، ويكون حكمهما ثابتاً فِي الْوَعْدِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ، وَتَحْقِيقُهُ مَا نَزَلَ بَعْدَهُ مِنْ قُرْآنٍ، وَوَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من سنة. فأما القرآن فما نَزَلَ فِي سُورَةِ النُّورِ مِنْ حَدِّ الْبِكْرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: ٢] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَوَارِدَةٌ فِي جَلْدِ الْبِكْرِ وَرَجْمِ الثَّيِّبِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَامِرٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كَرَبَ لَهُ وتربد وجهه قال: فنزل عليه الرجم فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: " خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالنَّفْيُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute