والضرب الثاني: يَجْمَعَهُمْ فِي الْقَذْفِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَقُولُ زَنَيْتُمْ، أَوْ أَنْتُمْ زُنَاةٌ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ أنه تتداخل حدودهم، ويحد لجميعهم حداً واحداً اعتباراً بكلمة القذف أنها وَاحِدَةٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ حُدُودَهُمْ لَا تَتَدَاخَلُ وَيُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم حداً منفرداً اعْتِبَارًا بِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَتَدَاخَلُ حُدُودُ جَمَاعَتِهِمْ وَيَحُدُّ لِجَمِيعِهِمْ حَدًّا وَاحِدًا، سَوَاءً جَمَعَهُمْ فِي الْقَذْفِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَفْرَدَهُمْ وَقَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ؛ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ فَجَعَلَ لِكُلِّ الْمُحْصَنَاتِ حَدًّا وَاحِدًا.
وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " البينة وحداً أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَذْفُ اثْنَيْنِ وَأَوْجَبَ عليه حداً) .
وَلِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا حَدًّا وَاحِدًا، وَقَدْ صَارُوا قَذَفَةً لَهُ وَلِلْمَرْأَةِ.
وَلِأَنَّ فِعْلَ الزِّنَا أَغْلَظُ مِنَ الْقَذْفِ بِهِ، ثُمَّ كَانَ الزِّنَا إِذَا تَكَرَّرَ فِي جَمَاعَةٍ تداخلت حدود، فَكَانَ الْقَذْفُ بِهِ أَوْلَى أَنْ تَتَدَاخَلَ حُدُودُهُ.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهَا حُدُودٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالزِّنَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَدَاخَلَ الْقَذْفُ إِذَا تَكَرَّرَ فِي وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ يَتَدَاخَلَ إِذَا تَكَرَّرَ فِي جَمَاعَةٍ، وَلِأَنَّهَا حُدُودٌ تَتَدَاخَلُ فِي الزِّنَا فَوَجَبَ أَنْ تَتَدَاخَلَ فِي الْقَذْفِ كَالْمُتَكَرِّرِ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَدَلِيلُنَا هُوَ أن القذف موجب للحد فِي الْأَجَانِبِ وَاللِّعَانَ فِي الزَّوْجَاتِ، فَلَمَّا لَمْ يتداخل اللعان في الزوجات وأفرد كل واحد مِنْهُنَّ بِلِعَانٍ لَمْ تَتَدَاخَلِ الْحُدُودُ فِي الْأَجَانِبِ وَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَدٍّ.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أنه أحد موجبي القذف فوجب أن لا يَتَدَاخَلَ فِي حُقُوقِ الْجَمَاعَةِ كَاللِّعَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حقق قذفه الْجَمَاعَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ منهم حد كامل وجب إذا تحقق قذفه أن يحد لكل واحد منهم حداً كاملاً؛ لأن حد القذف مقابل كحد الزِّنَا عَلَيْهِمْ.
وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَحَدُ حَالَتَيِ الْقَذْفِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَ مُوجِبُهُ كَمَا لَوْ تَحَقَّقَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَقْذُوفٍ لَوْ تَحَقَّقَ قَذْفُهُ لَمْ يَتَدَاخَلِ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَجَبَ إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقُ