وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: الْمَعَارِيضُ قَذْفٌ فِي الْغَضَبِ دُونَ الرِّضَا كَقَوْلِهِ: أَنَا مَا زَنَيْتُ، أَوْ يَا حَلَالُ ابْنَ الْحَلَالِ، إِلَى مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ مَا كفى، وإذا سقط الحد فيها نظر إلى مجردها فإن تجردت عن أسباب الأذى فلا تعزير فيها، وإن اقترنت بالأذى والسبب عزر فيها، فأما ما كان ظاهره الفحش والسب كقوله: يا فاسق، أو يا فاجر فهو أبلغ من التصريح؛ لأنه سب في الرضا والغضب فيعزر به في الأحوال إلا أن يريد به القذف فيحد، فأما إذا قال: يا عاهر، فقد ذكرنا فيه وجهين:
والوجه الثاني: يكون كناية إن أراد به القذف حد وإن لم يرده عزر، فإن أراد بهذه المعاريض والكنايات القذف حد لها، وإن أنكر إرادة القذف أحلف لها.
وقال أبو حنيفة: لا يحد لها ولا يحلف عليها ولا تسمع الدعوى فيها احتجاجاً بأمرين:
أحدهما: أن الكناية تقوم مقام الصريح، والحد إنما يجب بالقذف، ولا يجب بما قام مقام القذف.
والثاني: أنه إذا لم يكن لفظ الكناية قذفاً صار بالنية قاذفاً، ونية القذف لا توجب الحد ودليلنا شيئان:
أحدهما: أن حد القذف من حقوق الآدميين عندنا ومن حقوق الله تعالى عنده، والعتق والطلاق يجمعان حقوق الله وحقوق الآدميين، ثم كان الكناية فيهما مع النية كالصريح؛ لأن الشهادة فيها غير معتبرة بخلاف النكاح، فوجب أن يكون القذف في اختصاصه بأحد الحقين ملحقاً بما جمع الحقين.
والثاني: أن كل لفظ احتمل معنيين مختلفي الحكم فقصده لأحدهما موجب لحمله عليه كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}[يوسف: ٢٩] أن قصد به القرآن حرم في الجناية ولم يبط ل به الصلاة وإن لم يقصد به القرآن لم يحرم في الجناية وبطلت به الصلاة فأما الجواب أنه مثل القذف فمن وجهين: