للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكُتُبِ قِرَاءَةُ مَا فِيهَا، وَالْوَرَقُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لِلْمَقْصُودِ وَلَيْسَ مَا فِيهَا مِنَ الْمَكْتُوبِ مَالًا فَسَقَطَ الْقَطْعُ فِيهِ وَفِي تَبَعِهِ مِنَ الْوَرَقِ وَالْجِلْدِ، وَإِنْ كَانَ مَالًا؛ لِأَنَّ التَّبَعَ مُلْحَقٌ بِالْمَتْبُوعِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ خَاصٌّ فِي الْمُصْحَفِ لِيَكُونَ غَيْرُهُ مِنَ الْكُتُبِ ملحقاً به: أن المصحف مشترك يَخْتَصُّ بِهِ صَاحِبُهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ إِعَارَتِهِ لمن التمس أن يقرأ فِيهِ وَأَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ الْقُرْآنَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ) وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الشُّبَهِ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ فِيهِ كَمَالِ بَيْتِ المال.

والثالث: أن بيعه مختلف فيه؛ لأنه ابْنَ عُمَرَ يَكْرَهُ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَكَذَلِكَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَمَا اخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ لَمْ يُقْطَعْ في سرقته كالكلب [والخمر] وَالْخِنْزِيرِ مَعَ الذِّمِّيِّ.

وَدَلِيلُنَا مَعَ عُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهُ نَوْعُ مَالٍ فَجَازَ الْقَطْعُ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ مَالًا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِبَاحَةِ ثَمَنِهِ، وَضَمَانِهِ بِالْيَدِ، وَغُرْمِ قِيمَتِهِ بِالْإِتْلَافِ، وَاخْتِصَاصِهِ بِسُوقٍ يُبَاعُ فِيهَا كَمَا يَخْتَصُّ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْأَمْوَالِ بِسُوقٍ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا قُطِعَ فِي وَرَقِ الْمُصْحَفِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا كَانَ الْقَطْعُ فِيهِ بَعْدَ كِتَابَتِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ أَزْيَدُ وَالرَّغْبَةُ فيه أكثر فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ، وَيَسْقُطَ الْقَطْعُ مَعَ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا أَلْزَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْخَشَبِ وَالْعَاجِ قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ، وَيَقْطَعُ فِيهِ بَعْدَ عَمَلِهِ وَإِحْدَاثِ صَنْعَةٍ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا لِيُزْجَرَ عَنْ سَرِقَتِهَا فَتُحْفَظَ عَلَى مَالِكِهَا، وَقَدْ تَكُونُ الرَّغْبَةُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ أَكْثَرَ فَكَانَتْ بِوُجُوبِ الْقَطْعِ أَحَقَّ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا قَطْعَ فِيهَا، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ هِيَ الْمَنْفَعَةُ كَمَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الثِّيَابِ لِبَاسُهَا، وَمَنْفَعَةَ الدَّوَابِّ رُكُوبُهَا، وَالْقَطْعُ يَجِبُ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ مُشْتَرَكٌ تَلْزَمُ إِعَارَتُهُ فَدَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَاصٌّ لَا تلزم إِعَارَتُهُ وَلَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ مِنْهُ إِلَّا قَدْرَ ما يلزم الصلاة من الفاتحة عندنا وآية من جميع القرآن عندهم، لا يَتَعَيَّنُ الْفَرْضُ فِيهَا عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا مِنْ مُصْحَفٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيَّنٌ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>