للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى سَارِقِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ فِي إِحْرَازِ مِثْلِهِ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَنِ أَنَّ الْكَفَنَ يُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ حِرْزِهِ وَقَدْ كَمَلَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا فَلِذَلِكَ قُطِعَ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذَا الْبَذْرُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنَ الْأَرْضِ حَبَّةً بَعْدَ حَبَّةٍ وَكُلُّ حَبَّةٍ منها تُحْرَزُ فِي مَوْضِعِهَا لَا فِي مَوْضِعِ غَيْرِهَا، وَإِذَا افْتَرَقَتِ السَّرِقَةُ لَمْ يُضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَافْتَرَقَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْكَفَنَ مُعَرَّضٌ لِلْبِلَى وَالتَّلَفِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أن الاعتبار بحاله عِنْدَ أَخْذِهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرِيضَةِ إِذَا شَارَفَتِ الْمَوْتَ.

وَالثَّانِي: أن تعريضه للبلى لا يمنع وُجُوبِ الْقَطْعِ فِيهِ كَدَفْنِ الثِّيَابِ فِي الْأَرْضِ، وَعَلَى أَنَّ ثِيَابَ الْحَيِّ مُعَرَّضَةٌ لِلْبِلَى بِاللِّبَاسِ وَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَطْعِ فِيهَا كَذَلِكَ الْأَكْفَانُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ لَا مَالِكَ لِلْكَفَنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالدَّيْنِ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَفِي حُكْمِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَكَلَهُ السَّبُعُ وَبَقِيَ كَفَنُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ.

وَالثَّانِي: يَكُونُ لِبَيْتِ مَالِ المسلمين، وعلى هذا في الْخَصْمِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُطَالَبَةِ بِقَطْعِ سَارِقِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْوَرَثَةُ إِنْ جَعَلْنَاهُ مَوْرُوثًا.

وَالثَّانِي: الْإِمَامُ إِنْ جَعَلْنَاهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْكَفَنَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ وَقَدِ اسْتَحَقَّ الْمَيِّتُ مَنَافِعَهُ كَالتَّرِكَةِ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ مَلَكَهَا الْوَرَثَةُ وَاسْتَحَقَّ الْمَيِّتُ عَلَيْهِمْ قَضَاءَ دَيْنِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَكَلَهُ السَّبُعُ عَادَ الْكَفَنُ إِلَى الْوَرَثَةِ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُمُ الْخُصُومُ فِي قَطْعِ السَّارِقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا مالك للكفن، ولأن الميت لا يملك وَالْوَارِثَ لَا حَقَّ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>