وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِنَ الْمُبَاحَاتِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَالثَّانِي: مِنَ الْخَمْرِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ {إِذَا مَا اتَّقَوْا} فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: فِي تَلَقِّي أَمْرِ اللَّهِ بالقبول.
والثاني: في أداء الفرائض، {وآمنوا} يعني بالله ورسوله {وعملوا الصالحات} يعني البر والمعروف، {ثم اتقوا وآمنوا} فِي هَذِهِ التَّقْوَى الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا غَيْرُ مَنْ خُوطِبَ بِالتَّقْوَى فِي الْأُولَى وَأَنَّ الْأُولَى لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَالثَّانِيَةَ لِمَنْ شَرِبَهَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ؛ فَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ ذكرها لاختلاف المخاطب بها.
والوجه الثاني: أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا لاختلاف المراد بها فعلى هذا في الْمُرَادِ بِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُولَى، فعل الطاعات.
والثانية: اجْتِنَابُ الْمَعَاصِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُولَى عَمَلُ الْفَرَائِضِ، وَبِالثَّانِيَةِ عَمَلُ النَّوَافِلِ {ثُمَّ اتَّقَوْا وأحسنوا} فِي هَذِهِ التَّقْوَى الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا الْإِقَامَةُ عَلَى التَّقْوَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَقْوَى الشبهات.
والثالث: أنها إثابة المحسن، والعفو عن المسيئ.
وَحُكِيَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ اسْتَبَاحَ الخمر بهذه الآية [المائدة: ٩٣] وَقَالَ: قَدِ اتَّقَيْنَا وَآمَنَّا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْنَا فيما طعمنا، وأن عمرو بن معد كرب استباحها؛ لأن الله تعالى قال: {فهل انتم منتهون} ثُمَّ سَكَتَ وَسَكَتْنَا فَرَدَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمَا لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمَا فَرَجَعَا، وَلَمْ يَكُنْ لِخِلَافِهِمَا تَأْثِيرٌ فَصَارَ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا عَلَى تَحْرِيمِهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ ثُمَّ أكده نص السنة.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن البتع فقال: " كل شراب أسكر فهو حَرَامٌ) وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -