أَحَدُهَا: مَأْثَمُ التَّحْرِيمِ.
وَالثَّانِي: الْفِسْقُ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْعَدَالَةِ.
وَالثَّالِثُ: وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. وَسَوَاءٌ سَكِرَ مِنْ شُرْبِهَا أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وزعم قوم أن الحد فيها تعزير ويجوز أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ حَدٌّ، رَوَى شعبة عن قتادة عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " جَلَدَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ) .
فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الشُّرْبُ قَبْلَ الْحَدِّ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌ وَاحِدٌ فإن تَكَرَّرَ مِنْهُ الشُّرْبُ بَعْدَ الْحَدِّ كُرِّرَ عَلَيْهِ الحد ولم يقتل.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ قبيصة بن ذؤيب يرفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قَالَ: " إِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمِّ إن شرب فَاجْلِدُوهُ، ثُمِّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شرب فاقتلوه) قالوا: فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أتي به الثانية فجلده، ثم أتي به الثَّالِثَةَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فَجَلَدَهُ وَوضعَ الْقَتْل فَكَانَتْ رُخْصَةٌ.
ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ لِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَمِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ: كُونَا وَافِدَيِ الْعِرَاقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ: وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ، وَالْمَرَاسِيلُ عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَاخْتُلِفَ فِيمَا أَرَادَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وجهين:
أحدهما: حديث عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، وَزِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ) .
وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ.
وَالثَّانِي: أَرَادَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شرب فَاجْلِدُوهُ، ثُمِّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ شرب فَاقْتُلُوهُ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ ثم أتي به الثانية فجلده، ثم أتي بِهِ الثَّالِثَةَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فجلده، ووضع القتل.
وقد روى ذكريا الساجي هذا الحديث. وسمى الرجل بنعمان.