للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أحدهم، هَلْ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهَا؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى عُمُومِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرِكَةِ فِي اسْمِ اللَّوْنِ وَالْعَيْنِ، كَمَا يَجُوزُ حَمْلُهُ على عموم الأجناس المتماثلة في قوله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] فِي حَمْلِهِ عَلَى كُلِّ زَانٍ وَسَارِقٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِ الْأَعْيَانِ وَإِنْ جَازَ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِ الْأَجْنَاسِ؛ لِتَغَايُرِ الْأَعْيَانِ: وَتَمَاثُلِ الْأَجْنَاسِ.

وقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِ الْأَعْيَانِ وَالْأَجْنَاسِ إِذَا دَخَلَهُمَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْعَيْنِ وَاللَّوْنِ، وَفِي الزَّانِي والسارق لا يجوز حملها عَلَى الْعُمُومِ مَعَ حَذْفِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، إِذَا قيل: اقطع سارقاً، واجلد زانياً فهذا واجب.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ استعمالاً للنصيين فيه.

والثالث: أنها إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ اتِّخَاذِهِ دُونَ إِبَاحَتِهِ، لِأَنَّهُ قَالَ: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حسناً} فَكَأَنَّهُ قَالَ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ) فَمِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، وَلَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ: فَكَانَ مُنْقَطِعًا لَا يُلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ رَوَاهُ موقوفاً على ابن عباس غير مسند عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الرِّوَايَةَ: " والمسكر من كل شراب) فمنها الراوي، فأسقط المسكر منها فَرُوي: " وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ) .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ السُّكْرُ، لَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْكِرَ، لَأَنَّ السُّكْرَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الشَّارِبِ، فينهي عنه وإنما شرب المسكر فعله، فصار النهي متوجهاً إليه.

الخامس: أَنَّ تَحْرِيمَ السُّكْرِ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَيَحْرُمُ السُّكْرُ وَالْمُسْكِرُ جَمِيعًا، وَتَكُونُ أَخْبَارُنَا أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا أَعَمُّ حُكْمًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُسْكِرِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ السُّكْرِ، وَتَحْرِيمُ السُّكْرِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْمُسْكِرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ السكر محرم بالعقل؛ لاستقباحه فيه، والمسكر محرم بالشر؛ لِزِيَادَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>