للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَهُ بِزَوَاجِرِ الْكَلَامِ. وَغَايَتُهُ الِاسْتِخْفَافُ الَّذِي لَا قَذْفَ فِيهِ وَلَا سَبَّ. ثُمَّ يَعْدِلُ عَنْ ذلك إلى المرتبة الثانية، وهو الْحَبْسُ يُنْزَلُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَنَازِلِهِمْ، وَبِحَسَبِ ذُنُوبِهِمْ. فَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ يَوْمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ أَكْثَرَ مِنْهُ إِلَى غَايَةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ بقدر ما يؤدي الاجتهاد إليها، ويرى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَتَقَدَّرُ غَايَتُهُ بِشَهْرٍ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ، وَبِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّقْوِيمِ. ثُمَّ يَعْدِلُ بمن دون ذَلِكَ إِلَى الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ النَّفْيُ وَالْإِبْعَادُ. وَهَذَا وَالْحَبْسُ فِيمَنْ تَعَدَّتْ ذُنُوبُهُ إِلَى اجْتِذَابِ غَيْرِهِ إِلَيْهَا وَاسْتِضْرَارِهِ بِهَا، وَاخْتُلِفَ فِي غَايَةِ نَفْيِهِ وَإِبْعَادِهِ.

فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يُقَدَّرُ الْأَكْثَرُ بِمَا دُونَ السَّنَةِ وَلَوْ بِيَوْمٍ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسَاوِيًا لِتَغْرِيبِ السَّنَةِ فِي الزِّنَا.

وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ على السنة، بما يرى أسباب الاستقامة ثم يعدل عن دُونِ ذَلِكَ إِلَى الضَّرْبِ يَنْزِلُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ ذُنُوبِهِمْ.

وَاخْتُلِفَ فِي أَكْثَرِ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ.

فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَكْثَرَهُ فِي الْحُرِّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَفِي الْعَبْدِ تِسْعَةَ عشرة ينتقص لِيَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّ الْحُدُودِ فِي الْخَمْرِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ فِي الْحُرِّ، وَعِشْرُونَ فِي الْعَبْدِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِ الْحُدُودِ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: تَعْزِيرُ كُلِّ ذَنْبٍ مُسْتَنْبَطٌ من الْمَشْرُوعِ فِي جِنْسِهِ، فَأَعْلَاهُ فِيمَنْ تَعَرَّضَ لِشُرْبِ الْخَمْرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ أَرْبَعُونَ، وأعلاه فيمن يعرض بِالزِّنَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ، ثُمَّ جَعَلَهُ مُعْتَبَرًا بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ فِي التَّعْرِيضِ بِالزِّنَا فَإِنْ وَجَدَهُ يَنَالُ مِنْهَا مَا دُونَ الفرج ضربه أكثر للتعزير وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا، وَإِنْ وُجِدَا عُرْيَانَيْنِ في إزار قد تضاما أنهما لا حَائِلَ بَيْنَهُمَا، ضُرِبَا سِتِّينَ سَوْطًا.

فَإِنْ وُجِدَا عُرْيَانَيْنِ فِي إِزَارٍ غَيْرَ مُتَضَامَّيْنِ؛ ضُرِبَا خَمْسِينَ سَوْطًا وَإِنْ وُجِدَا فِي بَيْتٍ مُبْتَذَلَيْنِ قَدْ كشفا سؤاتهما ضُرِبَا أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَإِنْ وُجِدَا فِيهِ مَسْتُورَيِ السَّوْءَةِ ضُرِبَا ثَلَاثِينَ سَوْطًا، وَإِنْ وُجِدَا فِي طريق متحادثين بِفُجُورِهِمَا ضُرِبَا عِشْرِينَ سَوْطًا، وَإِنْ وُجِدَا فِيهِ يُشِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ بِالرِّيبَةِ ضُرِبَا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ.

وَإِنْ وُجِدَا فِيهِ وَكُلُّ واحد منهما يتبع صاحبه ضربا خفقات عَلَى غَيْرِ هَذَا فِيمَا عَدَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>