وقال أبو حنيفة: هو سنة يأثم عَلَى قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْهُمْ: هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ كَمَا قَالُوهُ فِي الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ. وَاسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ. الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَإِحْفَاءُ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَالْخِتَانُ) . فَلَمَّا جعله من الفطرة، والظاهر من الفطرة أنه السنة، وَقَرَنَهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غير واجب قال: ولأنه قطع الشيء مِنَ الْجَسَدِ يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ، فَوَجَبَ أَنْ يكون مستحباً كتقليم الأظفار وحلق الشعر.
وقال: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخِتَانِ إِزَالَةُ الْقُلْفَةِ الَّتِي تَغْشَى الْحَشَفَةَ، لِيُمْكِنَ إِزَالَةُ الْبَوْلِ عَنْهَا، وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ.
ودليلنا قول الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣] ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَوَّلَ مَنِ اخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ، رُوِيَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا، فَمَنْ رَوَاهُ مُخَفَّفًا جَعَلَهُ اسْمَ الْمَكَانِ الَّذِي اخْتَتَنَ فِيهِ، وَمَنْ رواه مشدداً جعله اسم الفأس الذي اختتن به.
وقيل: اخْتَتَنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ: ثَمَانِينَ سنة، ولا يفعل ذلك بهذه السِّنِّ إِلَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى: وَوَحْيِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ: " أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكفر واختتن) فهذا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يَخْتَتِنَ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ) قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ تَأْكِيدًا لِإِيجَابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute