الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِذَلِكَ فَأَعْلَمَ أَبَا بَكْرٍ بِالْهِجْرَةِ وَقَدْ كَانَ أَعَدَّ لِلْهِجْرَةِ رَاحِلَتَيْنِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فِي مَنَامِهِ، وَأَنْ يَتَّشِحَ بِبُرْدِهِ الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ، لِأَنَّ قُرَيْشًا تَرَى مَنَامَهُ فِيهِ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّ وَدَائِعَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، وَخَرَجَ فِي الظَّلَامِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ، وَخَرَجَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِخِدْمَتِهِمَا وَلِيَرُوحَ عَلَيْهِمَا بِغَنَمٍ يَرْعَاهَا لِأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، وَتَأْتِي أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ بِطَعَامٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ: " ارْتَدْ لَنَا دَلِيلًا مِنَ الْأَزْدِ فَإِنَّهُمْ أَوْفَى بِالْعَهْدِ " فَاسْتَأْجَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيَّ، وَكَانَ مُشْرِكًا وَأَقَامَا فِي الْغَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَانَ خُرُوجُهُمَا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فِي صَفَرٍ وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي طَلَبِهِ وَجَعَلُوا لِمَنْ جَاءَهُمْ بِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ فَفَاتَهُمْ
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ بَكَى وَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيْكَ " وَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَبُعِثَ نَبِيًّا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَهَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَانَ قُدُومُهُ قَبْلَ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ، فَنَزَلَ بِقُبَاءَ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي دَارِ كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ وَقِيلَ فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ فَأَقَامَ بَقِيَّةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَبَنَى مَسْجِدَ قُبَاءَ، وَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فِي بَطْنِ وَادٍ لَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمُ الْجُمُعَةَ، وَهِيَ أَوَّلُ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ، أَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ، فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِدَارٍ إِلَّا سَأَلَهُ أَهْلُهَا النُّزُولَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: " خَلُّوا زِمَامَهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ " حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ فَبَرَكَتْ على باب مسجده وهي يومئذ مريد لِيَتِيمَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو وَكَانَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ فَنَزَلَ عَنْهَا وَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ: " الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ " وَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: ثَامِنُونِي بِهَذَا الْمِرْبَدِ؟ فَقَالُوا: لَا نَأْخُذُ لَهُ ثَمَنًا فَبَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَفْسِهِ وَبِأَصْحَابِهِ مَسْجِدًا وَهُوَ يَقُولُ:
(اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَة ... فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَة)
وَأَقَامَ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ بِنَائِهِ، وَهَاجَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَامَ فِيهَا بِرَدِّ الْوَدَائِعِ عَلَى أَهْلِهَا، وَكَانَ آخِرَ مَنْ قَدِمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute