للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَالِصَةً لِرَسُولِهِ وَفِيهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: ١] .

قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنَّا، وَجَعَلَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى سَوَاءٍ، وَنَفَلَ بِالنَّفْلِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ مَضِيقٍ، وَنَزَلَ عَلَى سِيرٍ فَقَسَمَهُ بِهَا، وَأُنْفِلَ فِيهَا سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ وَكَانَ لِمُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَجَمَلَ أَبِي جَهْلٍ، وَكَانَ مُهْرِيًّا، يَغْزُو عَلَيْهِ، وَقُتِلَ بِهَا مِنَ الْأَسْرَى النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَلَمَّا بَلَغَ عِرْقَ الظَّبْيَةِ، أَمَرَ بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَقَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: النَّارُ، فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بن ثابت بن أبي الافقلح، وَسَارَ بِالْأَسْرَى، حَتَّى وَصَلَ الْمَدِينَةَ فَخَرَجَ أَهْلُهَا يُهَنِّئُونَهُ بِقُدُومِهِ وَدَخَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَتَلَقَّاهُ الْوَلَائِدُ بِالدُّفُوفِ وَهُنَّ يَقُلْنَ:

(طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ ... وَجَبَ الشُكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعِ)

وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:: " اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا " ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِيهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ، وَعَشِيرَتُكَ، فَاسْتَبْقِهِمْ، وَخُذِ الْفِدَاءَ مِنْهُمْ قُوَّةً، فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ فَيَكُونُوا عَضُدًا، وَقَالَ عُمَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ، وَهُمْ قَادَتُهُمْ، وَصَنَادِيدُهُمْ قَدِّمْهُمْ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنْ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْكُفَّارِ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَدَخَلَ فَقَالَ أُنَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ أُنَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ الرِّجَالِ، حتى تكون ألين من اللين، وَلَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ، حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٦] وَمِثْلَكَ مِثْلُ عِيسَى، قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨] وَمِثْلَكَ يَا عُمَرُ، مِثْلُ نُوحٍ، قَالَ: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: ٢٦] وَمِثْلَكَ مِثْلُ مُوسَى، قَالَ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: ٨٨] ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَالَةٌ فَخُذُوا الْفِدَاءَ، فَفُودِيَ كُلُّ أَسِيرٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إِلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، إِلَى أَلْفَيْنِ، إِلَى أَلْفٍ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَكَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لِأَنَّ الْخَطَّ كَانَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ فِدَاؤُهُ أَنْ يُعَلِّمَ عَشَرَةً مِنْ غِلْمَانِ الْمَدِينَةِ الْخَطَّ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِيمَنْ عُلِّمَ، وَمَنَّ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَفِيهِمْ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ فَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعُودَ لِحَرْبِهِ أَبَدًا، وَكَانَ فِي الْأَسْرَى الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَيْ أَخِيكَ نَوْفَلًا وَعَقِيلًا فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ وَأُخْرِجْتُ كَرْهًا، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>