وَرُوِيَ أَيْضًا: " فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ " قَبْلَ السَّلَامِ
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُتِمَّ رَكْعَةً، وَلْيَقْعُدْ وَيَتَشَهَّدْ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، فَإِنْ كَانَتْ خَمْسًا شَفَعَتْهَا السَّجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا كَانَتِ السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ "
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ بَنَى عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ شَكَّ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ بَنَى عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ شَكَّ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ بَنَى عَلَى ثَلَاثٍ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعًا خَيْرٌ مِنَ النُّقْصَانِ "
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ حَدِيثُ أبي سعيد الخدري، ولأنها صلاة وجب عليها فِعْلُهَا فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي فِي أَدَائِهَا
أَصْلُهُ إِذَا تَرَكَ صَلَاةً مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ لَا يَعْرِفُهَا، وَلِأَنَّ أَرْكَانَ الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّحَرِّي كَأَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا شُرِطَ الْيَقِينُ فِي أَصْلِهِ شُرِطَ الْيَقِينُ فِي بَعْضِهِ، كَالطَّهَارَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ كل ما لم يود من الطهارة بالتحري لم يود مِنَ الصَّلَاةِ بِالتَّحَرِّي كَأَصْلِ الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ بِالشَّكِّ أَوَّلَ مَرَّةٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ شك طراً فِي عَدَدِ مَا صَلَّى فَلَمْ تَفْسُدْ بِهِ الصَّلَاةُ كَالْمُعْتَادِ الشَّكَّ، وَلِأَنَّ مَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ فَحُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَالْعَادَةِ فِيهِ عَلَى سَوَاءٍ كَالْحَدَثِ طَرْدًا، وَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُ كَثِيرُهُ الصَّلَاةَ لَا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ الصَّلَاةَ كَالتَّسْبِيحِ
فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ " فَمَعْنَاهُ: لَا نُقْصَانَ فِيهَا وَهُوَ إِذَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ فَقَدْ أَزَالَ النُّقْصَانَ مِنْهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ "
فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ تَحَرِّيَ الصَّوَابِ يُبَيِّنُ لَهُ يَقِينَ الشَّكِّ، أَوْ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ
فأما الْحَدِيثُ الْآخَرُ إِنْ صَحَّ فَكَانَ مُعَارَضًا بِمَا رَوَيْنَاهُ فَرِوَايَتُنَا أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ الرُّوَاةِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَأْمَنُ بِهَذَا النُّقْصَانِ وَيَخَافُ الزِّيَادَةَ، وَرِوَايَتُهُمْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ فَكَانَتْ رِوَايَتُنَا أَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنَ النُّقْصَانِ "