للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَبَبُهَا وُرُودُ الْخَبَرِ أَنَّ سَيِّدَهُمُ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي ضِرَارٍ يَجْمَعُ قَوْمَهُ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَرَبِ، لِقَصْدِ الْمَدِينَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في يوم الإثنين الثاني في شَعْبَانَ فِي نَاسٍ كَثِيرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَخَرَجَ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَخْرُجُوا فِي غَزَاةٍ قَبْلَهَا، وَكَانَ مَعَهُمْ ثَلَاثُونَ فَرَسًا عَشرة مِنْهَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعِشْرُونَ لِلْأَنْصَارِ وَدَفَعَ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَوَصَلَ إِلَى الْمُرَيْسِيعِ وَظَفِرَ بِالْقَوْمِ، قِيلَ: إِنَّهُ شَنَّ الْغَارَةَ عَلَيْهِمْ بَيَاتًا

وَقِيلَ: بِقِتَالٍ وَمُحَارَبَةٍ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةً وَأَسَرَ بِاقِيَهُمْ، فَلَمْ يُفْلَتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَكَانُوا مِائَتَيْ ثَيِّبٍ، وَاسْتَاقَ نَعَمَهُمْ فَكَانَتِ الْإِبِلُ أَلْفَيْ بعير والشاة خمسة آلَافِ شَاةٍ، فَجَعَلَ الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ، وَقَسَمَهُمْ بَعْدَ أَخْذِ الْخُمُسِ، وَأَسْهَمَ فِيهَا لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا وَاحِدًا وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرسان: لزاز والظرب فلم يرو أَنَّهُ أَخَذَ إِلَّا سَهْمَ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ فِي السَّبْيِ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ وَحَصَلَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بن شماس أو لابن هم لَهُ، فَكَاتَبَاهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ذَهَبًا فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كِتَابَتِهَا فَأَدَّاهَا عَنْهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ قَوْمِهَا

وَقِيلَ: عَتَقَ أَرْبَعِينَ مِنْهُمْ، وَمَنَّ عَلَى أَكْثَرِ السَّبْيِ، وَقَدِمَ بِبَاقِيهِمُ الْمَدِينَةَ، فَفَدَاهُمْ أَهْلُوهُمْ حَتَّى خَلَصُوا جَمِيعًا وَفِيهَا تَنَازَعَ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَسِنَانُ بْنُ وَبْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى مَاءٍ، فَضَرَبَهُ جَهْجَاهُ فَتَنَافَرَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَشَهَرُوا السِّلَاحَ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، إِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَارَ لِوَقْتِهِ، وَوَقَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِأَبِيهِ: لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى تَزْعُمَ أَنَّكَ الذَّلِيلُ وَمُحَمَّدٌ الْعَزِيزُ، فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " دَعْهُ، فَلْنُحْسِنْ صُحْبَتَهُ مَا دَامَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ".

وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ ضَاعَ عِقْدٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَقَامَ النَّاسُ عَلَى طَلَبِهِ حَتَّى أَصْبَحُوا عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لَيْسَتْ هَذِهِ أَوَّلَ بَرَكَاتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ؛ فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مَخْرَجًا وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا.

وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْإِفْكِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مَا أَنْزَلَ وَعَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي هِلَالِ شهر رمضان بعد اثنين وعشرين يوما.

<<  <  ج: ص:  >  >>