وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَجَدَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ سَبَبُهُ زِيَادَةَ الْكَلَامِ، وَسَجَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ عِنْدَمَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَانَ سَبَبَهُ النُّقْصَانُ، فَدَلَّ عَلَى اخْتِلَافِ مَحَلِّهِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، قَالَ: وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جُبْرَانٌ، فَإِذَا كَانَ لِنُقْصَانٍ اقْتَضَى فِعْلُهُ قَبْلَ السلام لتكمل به الصلاة، وإن كان الزيادة أَوْقَعَهُ بَعْدَ السَّلَامِ لِكَمَالِ الصَّلَاةِ
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليبين عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ "
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُتِمَّ رُكُوعَهُ، وَيَقْعُدْ وَيَتَشَهَّدْ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، ثُمَّ يُسَلِّمْ فَإِنْ كَانَتْ خَمْسًا شَفَعَتْهَا السَّجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا كَانَتِ السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ "
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ الْأَسَدِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَرَكَ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، أَوْ قَالَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ قَامَ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ " وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ عَنْ سَبَبٍ وَقَعَ فِي صَلَاتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَلِأَنَّهُ سجود لو فعله في الصلاة، سجد عنه مُوجِبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ جُبْرَانٌ لِلصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ كَانَ شَرْطًا فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَالطَّهَارَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ لَوَجَبَ إِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا قَبْلَ السَّلَامِ أَنْ يَسْجُدَ لِأَجْلِهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ لِلسَّهْوِ وَجُبْرَانٌ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ جُبْرَانًا لِلشَّيْءِ كَانَ وَاقِعًا فِيهِ
وَأَمَّا مَا رَوَوْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ
وَالثَّانِي: مُسْتَعْمَلَةٌ فَأَمَّا نَسْخُهَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَسَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ
وَالثَّانِي: تَأَخُّرُ أَخْبَارِنَا وَتَقَدُّمُ أَخْبَارِهِمْ، لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَوَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ قَدْ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَوَيَا سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: سَبْعُ سِنِينَ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ أَحْدَاثِ الْأَنْصَارِ، وَأَصَاغِرِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute