ثم فتح حصن الشق وحصن النطاة وحصن الصعب بن معاذ وَكَانَ أَكْبَرَ الْحُصُونِ وَأَكْثَرَهَا مَالًا، وَحِصْنَ الْكُتَيْبَةِ وَبَقِيَ حِصْنُ الْوَطِيحِ، وَحِصْنُ السَّلَالِمِ، فَحَاصَرَهُمَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَعِنْدَهُمَا اشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَبَرَزَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
(قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مرْحَبُ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ)
(أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ ... أَكْفَى إِذَا أَشْهَدُ مَنْ تَغَيَّبَ)
(فَإِذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَحَرَّبُ ... كَأَنَ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقْرَبُ)
فَبَرَزَ إِلَيْهِ مِنْ مَثَّلَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي قَاتِلِهِ، فَحَكَى جَبَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَرَزَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَتَلَهُ.
وَحَكَى بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ رُبَّمَا أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ، فَيَلْبَثُ فِيهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَا يَخْرُجُ، فَأَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ بِخَيْبَرَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ أَبُو بَكْرٍ وَنَهَضَ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَرَجَعَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عُمَرُ فَنَهَضَ، وَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ رَجَعَ وَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّهَا غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَفَعَ الرَّايَةَ إِلَى عَلِيٍّ، وَكَانَ بِعَيْنِهِ رَمَدٌ، فَتَفَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ رِيقِهِ وَخَرَجَ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ مَرْحَبٌ مُرْتَجِزًا بِمَا قَالَ مِنْ رَجَزِهِ:
(أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السَّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ)
فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ، وَهُوَ يَقُولُ:
(أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَة ... أَكِيلُكُمْ بِالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَة)
(لَيْثُ غابات شديد قسوره ... ) .
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ فَتَحَ الْحِصْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَهَدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْيَهُودِيَّةُ، وَهِيَ بِنْتُ أَخِي مَرْحَبٍ وَامْرَأَةُ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ شَاةً مَصْلِيَّةً مَسْمُومَةً، وَأَكْثَرَتْ مِنْ سُمِّهَا فِي الذِّرَاعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَبَّ الشَّاةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخَذَ الذِّرَاعَ وَمَضَغَهُ، وَلَمْ يَسُغْهُ وَأَكَلَ مَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، فَأَمَّا بِشْرٌ فَمَاتَ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الْعَظْمَ لَيُخْبِرُنِي أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute