(لَكِنِّي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْعٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا)
(أَوْ طَعْنَةً بِيَدِي حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بَحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا)
(حَتَى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَكَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا)
ثُمَّ سَارُوا فَسَمِعَ الْعَدُوُّ بِمَسِيرِهِمْ، فَجَمَعَ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَبَهْرَاءَ وَبَلِيٍّ، وَأَقْبَلَ هِرَقْلُ فِي الرُّومِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ، وَنَزَلَ المسلمون مكان مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَبَلَغَهُمْ كَثْرَةُ الْجُمُوعِ عَلَيْهِمْ، فَعَزَمُوا عَلَى الْمَقَامِ بِمَكَانِهِمْ حَتَّى يَسْتَأْمِرُوا رَسُولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا يَأْتُونَهُ فَحَثَّهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى الْمَسِيرِ فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا مُؤْتَةَ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ، وَالْعُرُوبَةِ حَتَّى نَزَلُوا شَارِقَ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ وَالْتَحَمَتِ الْحَرْبُ فِي مُؤْتَةَ، وَقَاتَلَ الْمُسْلِمُونَ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَتَقَدَّمَ بِالرَّايَةِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى طَاشَتْ بِهِ الرِّمَاحُ، فَقُتِلَ به حتى أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَنَزَلَ عن فرس له شفراء عَقَرَهَا، وَكَانَ أَوَّلَ فَرَسٍ عَقَرَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَقَاتَلَ وَالْجِرَاحُ تَأْخُذُهُ حَتَّى ضَرَبَهُ رُومِيٌّ، فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ، فَوُجِدَ فِي أَحَدِ نِصْفَيْهِ بِضْعَةٌ وَثَلَاثِينَ جُرْحًا وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَكْثَرُ مِنْهُ حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي بَدَنِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ جِرَاحَةً مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَرَأَى فِي نفسه ما استبشر لها فقال:
(أقسمت يا نفس لتنزلنه ... طائعة أو فلتكرهنه)
(إن أجلب الناس وشدوا الرنه ... مالي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّة)
(قَدْ طَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّة ... هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّة)
ثم نزل عن فرسه؛ لأن زيدا وجعفر قَاتِلَا رَجَّالَةً وَسَارَ بِالرَّايَةِ وَهُوَ يَقُولُ:
(يَا نَفْسُ إِلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قد صليت)
(وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ ... إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ)
وَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَرْقَمَ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيَّ إِلَيَّ، وَرَكَزَ الرَّايَةَ حَتَّى اجْتَمَعُوا إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ فَقَالُوا: أَنْتَ لَهَا، فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ الرَّايَةَ، وَدَافَعَ الْقَوْمُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى انْصَرَفَ النَّاسُ، وَرُفِعَتِ الْأَرْضُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى نَظَرَ مُعْتَرَكَ الْقَوْمِ، فَأَمَرَ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَقَالَ: " أَيُّهَا النَاسُ بَابُ خَيْرٍ بَابُ خَيْرٍ أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا الْغَازِي إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقَوُا الْعَدُوَّ فَقُتِلَ زَيْدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute