وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَهُوَ يَسِيرُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَضِيقِ الْوَادِي مَعَ الْعَبَّاسِ تَمُرُّ بِهِ الْقَبَائِلُ، فَيَرَاهَا، فَيَقُولُ لِلْعَبَّاسِ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَيَقُولُ لَهُ سليم فيقول: ما لي وتسليم، ثم تمر به أخرى فيقول: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَيَقُولُ لَهُ أَسْلَمُ فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِأَسْلَمَ، ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ أُخْرَى فَيَقُولُ: مَنْ هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: مُزَيْنَةُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ، وَتَمُرُّ بِهِ أُخْرَى فَيَقُولُ: مَنْ هَذِهِ؟ فَيَقُولُ لَهُ: جُهَيْنَةُ، فَيَقُولُ مَا لِي وَلِجُهَيْنَةَ، كَذَلِكَ حَتَّى جَازَتْ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْخَضْرَاءُ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: وَيْحَكَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ فَقَالَ: نَعَمْ إِذًا فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ الْحَقِ الْآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ فَأَسْرَعَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ قَالُوا: فَمَهْ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ قَالُوا: وَيْحَكَ {تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ} قَالَ مَنْ دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فَهُوَ آمِنٌ
وَدَخَلَ الزُّبَيْرُ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ فَلَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ، فَغَرَسَ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْحَجُونِ حَتَّى أَتَاهَا، وَدَخَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ بِالْخَنْدَمَةِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي جَمْعٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَحَابِيشِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي نُفَاثَةَ بْنِ بَكْرٍ، فَقَاتَلَهُمْ خَالِدٌ حَتَّى قَتَلَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا وَمِنْ هُذَيْلٍ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ فَانْهَزَمُوا أَعْظَمَ هَزِيمَةٍ فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - البارقة على رؤوس الْجِبَالِ قَالَ: مَا هَذَا وَقَدْ نَهَيْتُ عَنِ القتال؟ فقيل له إن خالد قُوبِلَ، فَقَاتَلَ فَقَالَ: قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ، وَكَانَ فِيمَنْ قَاتَلَ خَالِدًا حَمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ قَدْ أَعَدَّ سِلَاحًا لِلْقِتَالِ، فَلَمَّا أَخَذَهُ لِيُقَاتِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنَّهُ يَعْتَرِضُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ بِشَيْءٍ، فَقَالَ لَهَا: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَكِ بَعْضَهُمْ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
(إِنْ تَقْبَلُوا الْيَوْمَ فَمَا بي عِلَّة ... هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلَّه)
(وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السِّلَّة ... )
فَلَمَّا لَحِقَ بِعِكْرِمَةَ صَفْوَان عَادَ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: اغْلِقِي عَلَيَّ بَابِي فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: فَأَيْنَ مَا كنت تقول فقال:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute