للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالجعرانة من غنائم هوازن، فقدم الجعرانة يَوْمَ الْخَمِيسِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ؛ وَقَدِمَتْ عَلَيْهِ وُفُودُ هَوَازِنَ وَقَدْ أَسْلَمُوا، وَفِيهِمْ أَبُو مُبَرِّدٍ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا فِي الْحَظَائِرِ عَمَّاتُكُ وَخَالَاتُكَ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَضِيعًا فِيهِمْ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ حَلِيمَةَ، وَكَانَتْ مِنْ هَوَازِنَ ولو كنا ملحنا لِلْحَارِثِ بْنَ أَبِي شِمْرٍ أَوِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ أَيْ: أَرْضَعْنَا ثُمَّ نَزَلْنَا مِنْهُ مَنْزِلَكَ مِنَّا لَرَعَى ذَاكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْكَفِيلَيْنِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

(امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ)

(امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ تَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا الدُّرَرُ)

(إِنْ لَمْ تَدَارَكْهُمْ نَعْمَاءُ نَنْثُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ)

(إِنَّا لنشكر آلاء وَإِنْ كُفِرَتْ ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ)

(فَالْبِسِ الْعَفْوَ مَنْ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهُ ... مِنْ أُمَّهَاتِكَ إِنَّ الْعَفْوَ مُشْتَهَرُ)

(إِنَّا نُؤَمِّلُ عَفْوًا منك تلبسه ... هذي البرية إذ تغفو وتنتصر)

(فأغفر عَفَا اللَّهُ عَمًّا أَنْتَ وَاهِبُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ يُهْدَى لَكَ الظَّفَرُ)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ مَنْ مَعِي فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ " فَقَالُوا: مَا كُنَّا نَعْدِلُ بِالْأَحْسَابِ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أما مالي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وَسَأَسْأَلُ النَاسَ " فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمِ فَلَا، وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا، وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا، فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: وَهَّنْتُمُونِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للناس إن هؤلاء القوم قد جاؤوا مُسْلِمِينَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ سَبْيَهُمْ وَقَدْ خَيَّرَتْهُمْ فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالْأَبْنَاءِ وَالنِّسَاءِ شَيْئًا، فَمَنْ كَانَ عنده من مِنْهُمْ شَيْءٌ فَطَابَتْ نَفْسُهُ بِأَنْ يَرُدَّهُ فَسَبِيلُ ذَلِكَ وَمَنْ أَبَى فَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ، وَلَهُ سِتُّ قَلَائِصَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ فَرْضًا عَلَيْنَا مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَرَدُّوا إِلَّا عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ أَبَى أَنْ يَرُدَّ عَجُوزًا مَعَهُ طَلَبًا لِفِدَائِهَا، ثُمَّ رَدَّهَا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ رَدِّ السَّبَايَا رَكِبَ فَاتَّبَعُوهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يا رسول الله اقسم علينا فيئنا حتى ألجؤوه إِلَى شَجَرَةٍ اخْتَطَفَتْ رِدَاءَهُ، فَقَالَ: " رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، أَيُّهَا النَّاسُ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهَا عَلَيْكُمْ، وَمَا لَقِيتُمُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا، ثُمَّ أَخَذَ وَبَرَةً، وَقَالَ: مَا لِي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةُ إِلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ فَرُدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغَلُولَ يَكُونُ عَلَى أَهْلِهِ عَارًا وَنَارًا وَشَنَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>