(إِنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ... قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ)
(يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلُّ الْخَيْرِ يُصْطَنَعُ)
(قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ ... أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا)
(سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ... إِنَّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهًا الْبِدَعُ)
(إِنْ كَانَ فِي النَاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ ... فَكُلُّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ)
( ... لَا يَرْفَعُ النَّاسُ مَا أَوْهَتْ أَكُفُّهُمُ ... عِنْدَ الدِّفَاعِ وَلَا يُوهُونَ ما رقعوا)
( ... إِنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمُ ... أَوْ وازنوا أهل نجد بِالنَّدَى مَتَعُوا)
(أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْيِ عِفَّتُهُمْ ... لَا يَطْبَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ)
(لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمُ ... وَلَا يَمَسُّهُمُ مِنْ مَطْمَعٍ طبع)
(إذا نصبنا لحي لم ندب لهم ... كما يدب إلى الوحشية الذرع)
(نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزعانف من أظفارها خشعوا)
(لا فخر إن هم أصابوا من عدوهم ... وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع)
(كأنهم في الوغى والموت مكتنع ... أسد بحلية في أرساغها فدع)
(خُذْ مِنْهُمُ مَا أَتُوا عَفْوًا إِذَا غَضِبُوا ... ولا يكن همك الأمر الذي منعوا)
(فإن في حربهم فاترك عداوتهم ... شرا يخاض عليه السم والسلع)
(أكرم بقول الله شيعتهم ... إذا تفرقت الأهواء والشيع)
(أهدي لهم مدحتي قلب يوازره ... فيما أحب لسان حائك صنع)
(فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمُ ... إِنْ جَدَّ بِالنَّاسِ مجد القول أو شمعوا)
فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ مِنْ شِعْرِهِ، قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤْتَى الْحِكْمَةَ، لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَكَانَ الْأَقْرَعُ وَعُيَيْنَةُ قَدْ أَسْلَمَا مِنْ قَبْلُ وَشَهِدَا حُنَيْنًا، فَأَجَارَهُمْ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْأَسْرَى وَالسَّبْيَ، وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: ٤]
ثُمَّ بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ مُصَدِّقًا وَكَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَبَنَوُا الْمَسَاجِدَ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِقُدُومِهِ تَلَقَّوْهُ بِالْجَزُورِ وَالنَّعَمِ فَرَحًا بِهِ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُمْ تَلَقَّوْهُ بِالسِّلَاحِ، وَمَنَعُوهُ الصَّدَقَةَ فَهَمَّ بِغَزْوِهِمْ حَتَّى أَتَاهُ وَفْدُهُمْ، فَذَكَرُوا لَهُ مَا كَانَ مِنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا} [الحجرات: ٦] الْآيَةَ وَأَنْفَذَ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ مَعَهُمْ؛ لِيَأْخُذَ صَدَقَاتِهِمْ وَيُعَلِّمَهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، فأقام فيهم عشرا، وعاد وَلَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُؤَلَّفَةَ وَقَبَائِلَ الْعَرَبِ مَا أَعْطَاهُمْ وَلَمْ يَكُنْ في الأنصار راضياً