للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِدِينِهِ وَلِرَسُولِهِ وَجَعَلَ إِلَيْكُمْ هِجْرَتَهُ فَلَيْسَ بَعْدَ الْمُهَاجِرِينَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَتِكُمْ، فَنَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ فَقَامَ الْمُنْذِرُ بْنُ حُبَابِ بْنِ الْجَمُوحِ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ امْلِكُوا عَلَى أَيْدِيكُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ فيكم ولن يجترىء عَلَى خِلَافِكُمْ وَلَنْ يُصْدِرَ النَّاسُ إِلَّا عَنْ رَأْيِكُمْ فَإِنْ أَبَى هَؤُلَاءِ إِلَّا مَا سَمِعْتُمْ فَمِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْهُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ: لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فِي قَرْنٍ، إِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَرْضَى الْعَرَبُ أَنْ تُؤَمِّرَكُمْ وَنَبِيُّهَا مِنْ غَيْرِكُمْ، وَأَوْلَاهُمْ بِهَا مَنْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ فِيهِمْ، لَنَا بِهِ الْحُجَّةُ الظَّاهِرَةُ وَالسُّلْطَانُ الْبَيِّنُ، لَا يُنَازِعُنَا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا مُدْلٍ بِبَاطِلٍ أَوْ مُتَجَانِفٌ لِإِثْمٍ أَوْ مُتَوَرِّطٌ فِي هَلَكَةٍ

فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَا تَسْتَمِعُوا مُقَالَةَ هَذَا وَأَصْحَابِهِ فَيَذْهَبُوا بِنَصِيبِكُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ، فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْكُمْ فَاجْلُوهُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ، أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، وَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتُمْ لَنُعِيدَنَّهَا جَذَعَةً، فَقَالَ عُمَرُ: إِذَنْ يَقْتُلُكَ اللَّهُ، فَقَالَ: بَلْ إِيَّاكَ يَقْتُلُ

فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ نَصَرَ وَآوَى فَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ وَبَدَّلَ

فَقَامَ بِشْرُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو النُّعْمَانِ بْنُ بَشِيرٍ فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ إِنَّا وَإِنْ كُنَّا أَوَّلَ سَابِقَةٍ فِي الدِّينِ وَجِهَادِ الْمُشْرِكِينَ فَمَا أَرَدْنَا بِهِ إِلَّا رِضَى رَبِّنَا وَطَاعَةَ نَبِيِّنَا أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا مِنْ قُرَيْشٍ وَقَوْمُهُ أَحَقُّ بِهِ وَأَوْلَى وَايْمُ اللَّهِ لَا يَرَانِي اللَّهُ أُنَازِعُهُمْ هَذَا الْأَمْرَ أَبَدًا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخَالِفُوهُمْ

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَقَالَا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَتَوَلَّى هَذَا الْأَمْرَ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ، وَثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ دِينِ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ ذَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَكَ، ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ، فَمَدَّ يَدَهُ فَبَايَعَاهُ، وَقِيلَ: بَلْ سَبَقَهُمَا إِلَى الْبَيْعَةِ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ، وَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي الْأَوْسِ فَبَايَعُوهُ، وَتَتَابَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى بَيْعَتِهِ، وَأَقْبَلَتْ أَسْلَمُ بِجَمَاعَتِهَا حَتَّى تَضَايَقَتْ بِهِمُ السِّكَكُ فَبَايَعُوهُ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَسْلَمَ فَأَيْقَنْتُ بِالنَّصْرِ، وَقِيلَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ لِلْبَيْعَةِ، فَخَرَجَ بِقَمِيصٍ مَا عَلَيْهِ إِزَارٌ حتى بايعه مخافة أن يبطىء عَنِ الْبَيْعَةِ، حَكَاهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ

وروى ابن حجر أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ قَالَ لِعَلِيٍّ: مَا بَالُ هَذَا الْأَمْرِ فِي أَقَلِّ حَيٍّ مِنْ قُرَيْش {وَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتَ لِأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلًا وَرِجَالًا} فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَبَا سُفْيَانَ طَالَمَا عَادَيْتَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ فَلَمْ تَضُرَّهُ بِذَلِكَ شيئا! إنا وجدنا أبا بكر لهما أَهْلًا فَتَمَّتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ جَهَازِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثُمَّ أَخَذَ بَعْدَهَا فِي جَهَازِهِ، لِئَلَّا يَكُونُوا فوضى على غير جماعة لتنطفىء بِهَا فِتْنَةُ الِاخْتِلَافِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>