وَالْمَرْضَى وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ. وَإِنْ قِيلَ بِالتَّأْوِيلِ الثَّانِي كَانَ رَاجِعًا إِلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ خَاصَّةً
وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢] فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُمْ زَادًا لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا مَا يَتَزَوَّدُونَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَنَسٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُمْ نِعَالًا لأنهم طلبوا النعال، وهذا قول الحسن بْنِ صَالِحٍ.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ: " أَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا زَالَ رَاكِبًا مَا كَانَ مُنْتَعِلًا " وَفِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، وَهَذَا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْمُطَاعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي مُوسَى وَأَصْحَابِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: ٩٣] فِيهِمْ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمُ الذَّرَارِيُّ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمُ الْمُتَخَلِّفُونَ بِالنِّفَاقِ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ الْجِهَادِ فِي ذَوِي الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِي ذَوِي الْأَعْذَارِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حرج} ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ.
إِحْدَاهُمَا: سُورَةُ النُّورِ [النُّورِ: ٦١]
وَالْأُخْرَى: سُورَةُ الْفَتْحِ [الْفَتْحِ: ١٧]
فِلْم يَخْتَلِفِ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الَّتِي فِي سُورَةِ الْفَتْحِ وَارِدَةٌ فِي إِسْقَاطِ الْجِهَادِ عَنْهُمْ
وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ.