أَحَدُهُمَا: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} فِي الْجِهَادِ، لِتُفَقِّهَ الطَّائِفَةَ الْمُقِيمَةَ.
وَالثَّانِي: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} فِي طَلَبِ الْفِقْهِ لِتُجَاهِدَ الطَّائِفَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ عِلْمَ مَا لَا يَسَعُ جَهْلُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ جُمْلَةَ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَقُمْ بِطَلَبِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ تَوَجَّهَ فَرْضُهُ إِلَى مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ، لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي فَرْضِ الكفاية تكليف.
والثاني: أنه يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْقَضَاءَ بِالْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورِيَّةِ، لِأَنَّ تَقْلِيدَ الْقَضَاءِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاءِ وَالتَّصَوُّرِ لِيَكُونَ قَابِلًا لِلْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ بَلِيدًا لَا يَتَصَوَّرُ خَرَجَ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِفَقْدِ آلَةِ التَّعَلُّمِ، كَمَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْجِهَادِ عَنِ الْأَعْمَى وَالزَّمِنِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَقْتَدِرَ عَلَى الِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ بِمَا يَمُدُّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ بِعُسْرِهِ خَرَجَ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ "
فَإِذَا تَكَامَلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ فِي عَدْلٍ أَوْ فَاسْقٍ تَوَجَّهَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ مَأْمُورٌ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ فِسْقِهِ فَصَارَ مِمَّنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ مَعَ فِسْقِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِطَلَبِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ، خَرَجَ مِنَ النَّاسِ مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ، وَإِنْ أَقَامَ بِطَلَبِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ انْقَسَمَتْ حَالُهُ، وَحَالُ مَنْ دَخَلَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَنْ يَدْخُلُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَيَسْقُطُ بِهِ فَرْضُهَا إِذَا عُلِمَ وَهُوَ مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ إِذَا كَانَ عَدْلًا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ يَدْخُلُ فِيهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُهَا إِذَا عُلِمَ وَهُوَ مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ إِذَا كَانَ فَاسِقًا، لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَيَسْقُطُ بِهِ فَرْضُهَا إِذَا عُلِمَ، وهو من أعسر بما يستمده، وقد كمل مَا عَدَاهُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ لعسرته، وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا لِكِفَايَتِهِ.