الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ إِنْ بَذَلُوهَا مَعَ أَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ فَهُمُ الْمَجُوسُ، لِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي كِتَابِهِمْ أَجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمَهُ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ، فَيَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، ولا يجوز أكل ذبائحهم لأن وقع الشَّكِّ فِي كِتَابِهِمْ أَجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمَهُ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ، فَيَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ على الصحيح من الْمَذْهَبِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ.
وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ فَهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَمَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنَ الشَّمْسِ وَالنَّارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقْبَلَ جِزْيَتُهُمْ وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ، سَوَاءٌ كَانُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا، وَيُقَاتَلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُقْتَلُوا.
وَقَالَ مَالِكٌ: تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ إِلَّا إِنْ كَانُوا عَجَمًا وَلَا تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ إِنْ كَانُوا عَرَبًا حَتَّى يُسْلِمُوا، احْتِجَاجًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي الْجِزْيَةَ إِلَيْكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، فَعَمَّ بِالْجِزْيَةِ جَمِيعَ الْعَجَمِ مَا عَمَّ بِالدِّينِ جَمِيعَ الْعَرَبِ، فَدَلَّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي حُكْمِ الْجِزْيَةِ.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا وَقَالَ: " إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى خِصِالٍ ثَلَاثٍ، فَإِلَى أَيَّتِهِنَّ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةٍ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أَبَوْا فَادْعُهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلَ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ " وَهَذَا نَصٌّ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُ نِسَائِهِمْ جَازَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ رِجَالِهِمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ ذُلٌّ وَصَغَارٌ، فَإِذَا جَرَتْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ أَفْضَلُ، كَانَ إِجْرَاؤُهَا عَلَى مَنْ دُونَهُمْ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ أَوْلَى.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] فَكَانَ الْأَمْرُ بِقَتْلِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا عَامًّا، وَخَصَّ مِنْهُمْ أَهْلَ الْكِتَابِ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: ٢٩] فَكَانَ الدَّلِيلُ فِي هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْتِثْنَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ يَقْتَضِي خُرُوجَ غَيْرِهِمْ مِنَ اسْتِثْنَائِهِمْ، وَدُخُولَهُمْ فِي عُمُومِ الْأَمْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute