للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رُوحِ الْقُدُسِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ، كَأَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تريد قوله:

(عدمنا خيلنا إن لم نروها ... تنير النقع موعدها كَدَاءُ)

(تُنَازِعُنَا الْأَعِنَّةُ مُسْرِعَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ)

(فإن أعرضتم عنا اعتمرنا وكان ... الفتح وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ)

(وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجَلَادِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ)

فَقَالَ: نَعَمْ، وَدَخَلَ مَكَّةَ وَابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهُوَ ضَرِيرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:

(يَا حَبَّذَا مَكَّةُ مِنْ وَادِي ... أَرْضٌ بِهَا أَهْلِي وَعُوَّادِي)

(بِهَا أَمْشِي بِلَا هَادِي ... أرض بِهَا تَرْسَخُ أَوْتَادِي)

فَدَلَّتْ هَذِهِ الْحَالُ فِي اسْتِقْبَالِ النِّسَاءِ وَسُكُونِ النُّفُوسِ إِلَيْهِ وَالرُّؤْيَا الَّتِي قَصَّهَا عَلَى الصُّلْحِ دُونَ الْعَنْوَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَثْنَى يَوْمَ الْفَتْحِ قَتْلَ سِتَّةٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَأَرْبَعٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ.

فَأَمَّا الرِّجَالُ: فَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَهَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ.

وَأَمَّا النِّسْوَةُ، فَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، وَسَارَّةُ مَوْلَاةُ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ، وَبِنْتَانِ لِابْنِ خَطَلٍ، فَقُتِلَ مِنَ الرِّجَالِ ثَلَاثَةٌ ابْنُ خَطَلٍ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ فَقَتَلَهُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بن أبي طالب وَقُتِلَتْ إِحْدَى بِنْتَيِ ابْنِ خَطَلٍ، وَاسْتُؤْمِنَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، فَدَلَّ اسْتِثْنَاءُ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ عَلَى عموم الأمان، ولو لم يكن أمان لم يحتج إلى استثناء، وَقَدْ قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى فِي هَذَا الصُّلْحِ ما عير به قريش فَقَالَ

(وَأَعْطَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا ... مَوَاثِيقًا عَلَى حسن التصادف)

(وأعطينا المقادة حين قلنا ... تعالوا بارزونا بالتقاف)

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ ضُرِبَتْ لَهُ بِالْحَجُونِ قُبَّةٌ أَدَمٌ عِنْدَ رَايَتِهِ الَّتِي رَكَزَهَا الزُّبَيْرُ، فَقِيلَ لَهُ هَلَّا نَزَلْتَ فِي دُورِكَ، فَقَالَ: " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ " وَلَوْ كَانَ دُخُولُهُ مَكَّةَ عَنْوَةً لَكَانَ، رِبَاعُ مَكَّةَ كُلُّهَا لَهُ، ثُمَّ بَدَأَ بِالطَّوَافِ عَلَى نَاقَتِهِ الْقصْوَى، وَكَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، وَكَانَ أَعْظَمَهَا هُبَلُ، وَهُوَ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ كُلَّمَا مَرَّ بِصَنَمٍ مِنْهَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَقَالَ: " جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " فَيَسْقُطُ الصَّنَمُ لِوَجْهِهِ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَاهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَأَسْلَمُوا طَوْعًا وَكَرْهًا، وَبَايَعُوهُ، وَلَيْسَ هَذِهِ حَالَ مَنْ قَاتَلَ وَقُوتِلَ فَدَلَّتْ عَلَى الصُّلْحِ وَالْأَمَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>