فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهَا تَكُونُ غَنِيمَةً كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، يُخْرَجُ خُمْسُهَا لِأَهْلٍ الْخُمْسِ، وَتُقَسَّمُ بَاقِيهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَقِسْمَةِ الْأَمْوَالِ الْمَنْقُولَةِ إِلَّا أَنْ يَرَى إِمَامُ الْعَصْرِ أَنْ يَسْتَنْزِلَهُمْ عَنْهُ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ بِعِوَضٍ يَبْذُلُهُ لَهُمْ لِيَفُضَّهَا عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمْضِي، وَإِلَّا فَهِيَ غَنِيمَةٌ مَقْسُومَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٤١] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْخُمْسِ لِلْغَانِمِينَ، كَمَا قَالَ: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الثُّلُثِ لِلْأَبِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: الْأَرْضُ غَيْرُ مَغْنُومَةٍ، وَتَصِيرُ بِالْفَتْحِ وَقْفًا عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ الْإِمَامُ فِيهَا مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بَيْنَ أَنْ يُقَسِّمَهَا عَلَى الْغَانِمِينَ كَالَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَبَيْنَ أَنْ يُقِرَّهَا عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا، وَيَضْرِبَ عَلَيْهِمْ جزيتين:
إحداهما: على رؤوسهم، وَالْأُخْرَى عَلَى أَرْضِهِمْ.
فَإِذَا أَسْلَمُوا سَقَطَتْ جِزْيَةُ رؤوسهم، وَبَقِيَتْ جِزْيَةُ أَرْضِهِمْ تُؤْخَذُ بِاسْمِ الْخَرَاجِ؛ وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهَا.
وَبَيْنَ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهَا.
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ أَرْضِ السَّوَادِ بَعْدَ الِاسْتِنْزَالِ عَنْهَا فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ عُمَرَ وَقَفَهَا عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُوَرَّثُ كَسَائِرِ الْوُقُوفِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ: إِنَّهُ لَوْ رَهَنَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بَعْدَ وَقْفِهَا أَجَّرَهَا لِلدَّهَاقِينِ وَالْأُكَرَةِ بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ عَلَيْهَا يُؤَدِّيهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُجْرَةً عَنْ رِقَابِهَا، فَيَكُونُوا أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا لِأَصْلِ الْإِجَازَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُمْ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمُ انْتَقَلَ إِلَى وَارِثِهِ يَدًا لَا مِلْكًا كَالْمَوْرُوثِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ، وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا فِيمَا تُوُجَّهَ الْوَقْفُ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِلَى جَمِيعِ الْأَرْضِ مِنْ مَزَارِعَ وَمَنَازِلَ.
وَالثَّانِي: إِلَى الْمَزَارِعِ دُونَ الْمَنَازِلِ، لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنَازِلِ مُفْضٍ إِلَى خَرَابِهَا، فَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَهَا وَقْفًا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: لَمْ يَقِفْهَا عُمَرُ، وَإِنَّمَا بَاعَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا بِثَمَنٍ يُؤَدَّى فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى الْأَبَدِ بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهَا لِيَنْتَفِعَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute