فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الشُّرُوطَ السَّبْعَةَ صَحَّ أَنْ يُحَكِّمَ فِيهِمْ بِرَأْيِهِ كَمَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَحَكَمَ أن مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ اسْتُرِقَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وهذا حُكْمُ اللَّهِ مَنْ فَوْقِ سَبْعِ أَرْقُعَةٍ " وَهِيَ سَبْعُ سَمَاوَاتٍ " وَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْهَا لَمْ يجز أن يحكم فيها، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُحَكَّمُ فِيهِمْ أَعْمَى جَازَ تَحْكِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا فِي عُمُومِ الْأَحْكَامِ، لِأَنَّهُ يَحْكمُ بِمَا اشْتَهَرَتْ فِيهِ أَحْوَالُهُمْ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ أَخْبَارُهُمْ، فَاسْتَوَى فِيهَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، كَمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا تُعَلَّقُ بِاسْتِفَاضَةِ الْأَخْبَارِ، فَإِنْ صُولِحُوا عَلَى تَحْكِيمِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، لِيَقَعَ الِاخْتِيَارُ لَهُ، أَوِ التَّعْيِينُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدُ لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ، فَيَصِحَّ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ، فَلَا يَصِحَّ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَيَصِحَّ، لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَحْكِيمَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ، فَإِنِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى اخْتِيَارِهِ انْعَقَدَ تَحْكِيمُهُ وَنَفَذَ فِيهِمْ حُكْمُهُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا لَمْ يَنْعَقِدْ تَحْكِيمُهُ وَأُعِيدُوا إِلَى مَأْمَنِهِمْ حَتَّى يَسْتَأْنِفُوا اخْتِيَارًا أَوْ صُلْحًا، فَإِنْ صُولِحُوا عَلَى تَحْكِيمِ أَسِيرٍ فِي أَيْدِيهِمْ نُظِرَ.
فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ اخْتِيَارِهِ لِلتَّحْكِيمِ أَسِيرًا لَمْ يَصِحَّ تَحْكِيمُهُ، لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ لَا يَنْفَذُ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أطلق قبل تحكيمه كرهناه حذرا للممايلة وَصَحَّ تَحْكِيمُهُ لِأَنَّ دِينَهُ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمُمَايَلَةِ، وَهَكَذَا لَوْ عُقِدَ التَّحْكِيمُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ التَّحْكِيمِ جَازَ وَإِنْ كُرِهَ.
وَإِذَا انْعَقَدَ الصُّلْحُ عَلَى تَحْكِيمِ رَجُلَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُمَا أَقْوَى وَنَفَذَ حُكْمُهُمَا إِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْفُذْ إِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَإِذَا مَاتَ الْحَكَمُ قَبْلَ حُكْمِهِ، أَوِ اسْتَعْفَى وَاعْتَزَلَ أُعِيدُوا إِلَى مَأْمَنِهِمْ حَتَّى يَسْتَأْنِفُوا صُلْحًا عَلَى تَحْكِيمِ غَيْرِهِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَانْعَقَدَ التَّحْكِيمُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ فِي الْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ لِعُلُوِّ الْإِسْلَامِ عَلَى الشِّرْكِ، فَإِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى قَتْلِ رِجَالِهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ جَازَ وَلَزِمَهُمْ حُكْمُهُ كَالَّذِي حَكَمَ لَهُ سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَنَّ عَلَى مَنْ حُكِمَ بِقَتْلِهِ مِنْ رِجَالِهِمْ جَازَ، وَإِنْ رَأَى الْمَنَّ عَلَى مَنْ حُكِمَ بِسَبْيِهِ مِنْ ذَرَارِيهِمْ نُظِرَ.
فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِهِمْ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِمُرَاضَاةِ الْغَانِمِينَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سَبْيِ هَوَازِنَ حِينَ مَنَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِمْ جَازَ، لِأَنَّ سَعْدًا لَمَّا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute