فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ يَلْزَمُهُمْ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَجِزْيَةُ الرُّؤُوسِ، فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ مِنْهُمْ عَلَى عُشُورِ مَا زَرَعُوا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ حَقَّيْنِ الْخَرَاجَ، وَالْجِزْيَةَ، فَإِنْ جُعِلَ الْعُشْرُ خَرَاجًا بَقِيَتِ الْجِزْيَةُ، وَكَانَ الْخَرَاجُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَعْلُومَةً، وَهَذِهِ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَزْرَعُونَ وَلَا يَزْرَعُونَ، وَيَكُونُ زَرْعُهُمْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.
وَإِنْ جُعِلَ الْعُشْرُ جِزْيَةً بَقِيَ الْخَرَاجُ، وَكَانَتِ الْجِزْيَةُ فَاسِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَهَالَةِ بِهَا. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُمْ، وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ، وَهُمْ فِيهَا أَهْلُ عَهْدٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى عُشُورِ مَا زَرَعُوا؛ لِأَنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرْضِهِمْ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِمْ. وَلَا جِزْيَةَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ لِمَقَامِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَيَصِيرُ عُشْرُ زَرْعِهِمْ مَالَ صُلْحٍ لَيْسَ بِخَرَاجٍ، وَلَا جِزْيَةٍ، فَجَازَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فِي الْعِلْمِ بِهِ، وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ تَطَوُّعٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِهِمْ، وَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ تَلْزَمُهُمْ جِزْيَةُ رُؤُوسِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ خَرَاجُ أَرْضِهِمْ، فَيَكُونُ صلحهم على عشور ما زرعوا الجزية عَنِ الرُّؤُوسِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ فَسَادِهِ على ثلاثة أوجه:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَفِي أَقَلُّهُ بِقَدْرِ الْجِزْيَةِ أَوْ لَا يَفِي، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَفِي بِقَدْرِ الْجِزْيَةِ جَازَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ لَهُمْ مَكْسَبٌ غَيْرُ الزَّرْعِ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَزْرَعُوا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كَسْبٌ غَيْرُ الزَّرْعِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَدَعُونَهُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَضْمَنُوا تَمَامَ الْجِزْيَةِ عِنْدَ قُصُورِهِ أَوْ فَوَاتِهِ.
وَيَجُوزُ إِنْ ضَمِنُوا تَمَامَ مَا قَصَّرَ أَوْ فَاتَ؛ لِأَنَّ قَدَرَ الْجِزْيَةِ إِذَا تَحَقَّقَ حُصُولُهُ لَمْ تُؤَثِّرِ الْجَهَالَةُ فِيمَا عَدَاهُ مِنَ الطَّوْعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute