فإن أقام على ما كان عليه ولإا نبذ إليه عهده وأخرج من بلاد الإسلام بماله وصار حربا ومن بدل دينه من كتابية لم يحل نكاحها (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ قَالَ فِي كتاب النكاح وقال في كتاب الصيد والذبائح إذا بدلت بدين يحل نكاح أهله فهي حلال وهذا عندي أشبه وقال ابن عباس: " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " (قال المزني) فمن دان منهم دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وبعده سواء عندي في القياس وبالله التوفيق ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَنْتَقِلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ.
وَالثَّانِي: إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ كَمَنْ بَدَّلَ يَهُودِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ بَدَّلَ نَصْرَانِيَّةً بِيَهُودِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، أَوْ بَدَّلَ مَجُوسِيَّةً بِيَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ، فَفِي إِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَارَثُونَ بِهَا مَعَ اخْتِلَافِ مُعْتَقَدِهِمْ، فَصَارُوا فِي انْتِقَالِهِ فِيهِ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ، كَانْتِقَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَثَنِيُّ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ، وَالنَّصْرَانِيُّ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى وَثَنِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ، وَجَبَ إِذَا انْتَقَلَ النَّصْرَانِيُّ إِلَى يَهُودِيَّةٍ أَنْ لَا يُقَرَّ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مُنْتَقِلٌ إِلَى دِينٍ لَيْسَ بِحَقٍّ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ مُقَرٌّ فِي انْتِقَالِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِيمَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ مِنْ ثلاثة أقسام:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ مُكَافِئًا لِدِينِهِ كَيَهُودِيٍّ، تَنَصَّرَ أَوْ نَصَرَانِيٍّ تَهَوَّدَ، فَأَصْلُ هَذَيْنِ الدِّينَيْنِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ أَحَدِ الدِّينَيْنِ إِلَى الْآخَرِ إِلَّا فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ، فَتَصِيرُ جِزْيَتُهُ جِزْيَةَ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إليه دون جزية الدين الذين انْتَقَلَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكَثَرَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الدِّينُ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ أَخَفَّ حُكْمًا مِنَ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، كَنَصْرَانِيٍّ تَمَجَّسَ، فَيَنْتَقِلُ عَنْ أَحْكَامِهِ فِي الْجِزْيَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ وَالدِّيَةِ إِلَى أَحْكَامِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، فَتُقْبَلُ جِزْيَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَتَكُونُ دِيَتُهُ ثُلُثَيْ عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نِصْفَهَا كَالْمَجُوسِ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا،