أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِفِعْلٍ مِنْهُ وَصَلَ إِلَى الصَّيْدِ بِالْآلةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي إِثْبَاتِهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ جَرْحٍ، وَإِنْ سَعَى خَلْفَ الصَّيْدِ فَوَقَفَ بِإِعْيَائِهِ، لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْوُقُوفِ؛ حَتَّى يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ وُقُوفَهُ اسْتِرَاحَةٌ مِنْهُ هُوَ بَعْدَهَا عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَحَّلَ الصَّيْدُ عِنْدَ طَلَبِهِ فِي طِينٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ الطِّينَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَرْسَلَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَوَحَّلَتْ مَلَكَهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْوَحْلِ؛ لِأَنَّ الْوَحْلَ مِنْ فِعْلِهِ فَصَارَ بِهِ كَوَضْعِ الشَّبَكَةِ وَلَوِ اعْتَرَضَهُ مِنْهُ سَبُعٌ فَعَقَرَهُ فَأَثْبَتَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ السَّبُعِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَغْرَى السَّبُعَ بِاعْتِرَاضِهِ حَتَّى عَقَرَهُ فَأَثْبَتَهُ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى السَّبُعِ يَدٌ مَلَكَ الصَّيْدَ بِعَقْرِهِ، وَصَارَ كَإِرْسَالِ كَلْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى السَّبُعِ يَدٌ لَمْ يَمْلِكِ الصَّيْدَ بِعَقْرِهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ لِأَنَّ اخْتِيَارَ السَّبُعِ أَقْوَى مِنْ إِغْرَائِهِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَصِيرَ الصَّيْدُ بِمَا وَصَلَ مِنْ فِعْلِهِ عَاجِزًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنِ امْتِنَاعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ قَدْ عَقَرَهُ كَالْحَدِيدِ أَوْ لَمْ يَعْقِرْهُ كَالْحَجَرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ بَعْدَ وصول الآلة إليه من ثلاثة أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِرَ بِهَا فِي مَوْضِعٍ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى عدوٍ وَلَا طَيَرَانٍ، فَهَذَا إثبات قد صار به مالكاً لصيد، فَإِنْ عَادَتْ قُوَّةُ الصَّيْدِ فَامْتَنَعَ بِهَا بَعْدَ إِثْبَاتِهِ نُظِرَ؛ فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ أَخْذِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ زَمَانُ عَوْدِهَا قَرِيبًا لَا تَنْشَأُ فِي مِثْلِهِ قوةٌ مُسْتَفَادَةٌ فَقَدْ عَادَ إِلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ أَنَّ وُقُوفَهُ لِاسْتِرَاحَةٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَطُولَ زَمَانُهُ حَتَّى تَنْشَأَ فِي مِثْلِهِ قُوَّةٌ مُسْتَفَادَةٌ، فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا لَوْ قَصَّ جَنَاحَ طَائِرٍ قَدْ صَادَهُ، فَثَبَتَ جَنَاحُهُ، وَطَارَ لَمْ يَزَلْ عَنْ مِلْكِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيةُ: أَنْ يَفُوتَ الصَّيْدُ بَعْدَ وَصُولِ الْآلةِ إِلَيْهِ عَلَى امْتِنَاعٍ فِي عَدْوِهِ وَطَيَرَانِهِ، فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا لَهُ بِجِرَاحَتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِرَاحَةُ مِمَّا يُسْلَمُ مِنْ مِثْلِهَا أَوْ لَا يُسْلَمُ، وَسَوَاءٌ طَالَ زَمَانُ امْتِنَاعِهِ أَوْ قَصُرَ زَمَانٌ رَمَاهُ آخَرُ، فَأَثْبَتَهُ، كَانَ مِلْكًا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَهُ مِنْ فِعْلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِهِ آخَرُ حَتَّى ثَبَتَ بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ صَارَ حينئذٍ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُثْبِتًا لَهُ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالْعَطَشِ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ عَطَشُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْجَارِحُ، وَإِنْ كَانَ عَطَشُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ وُصُولِهِ إِلَى الْمَاءِ مَلَكَهُ الْجَارِحُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْعَجْزِ دُونَ الْمَاءِ.
والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقْصُرَ عَنِ امْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ بِمَكَانِهِ، فَيَعْدُوَ دُونَ عَدْوِهِ، وَيَطِيرَ دُونَ طَيَرَانِهِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute