للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِسْمٌ مُمْتَنِعٌ لَا يُمْكِنُ ذَبْحُهُ، وَيُمْكِنُ عَقْرُهُ، وَهُوَ الصَّيْدُ، فَذَكَاتُهُ بِعَقْرِهِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ مِنْ جَسَدِهِ، لِتَعَذُّرِ ذَبْحِهِ.

وَقِسْمٌ يَتَعَذَّرُ ذَبْحُهُ وَعَقْرُهُ وَهُوَ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ؟ لِأَنَّ مَوْتَ الحوت بعد موته سَرِيعٌ وَعَقْرُ الْجَرَادِ شَاقٌّ، فَكَانَ مَوْتُهُمَا ذَكَاةً.

وَإِنْ كَانَ هَذَا أَصْلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْجَنِينِ، فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى ذَبْحِهِ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ، كَانَ مَوْتُهُ ذَكَاةً لَهُ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى ذَبْحِهِ، لِبَقَاءِ حَيَاتِهِ كَانَتْ ذَكَاتُهُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنَ الصَّيْدِ وَالنَّعَمِ، فَيَصِيرُ الْخِلَافُ فِيهِ مَرْدُودًا إِلَى الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَرَى حُكْمُ الْأُمِّ إِلَى جَنِينِهَا في البيع الهبة وَالْعِتْقِ سَرَى إِلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ وَالْإِبَاحَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْأُمِّ إِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ؟ فَصَارَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ مُلْحَقًا بِأُمِّهِ، فَكَانَتِ الذَّكَاةُ مِنْهَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَطَعَ عَنْهَا.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَحِقَ بِهَا فِي الذَّكَاةِ إِذَا خَرَجَ مَيْتًا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الذَّكَاةِ إِذَا خَرَجَ حَيًّا فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّمَا حَلَّ إِذَا خَرَجَ مَيْتًا لِفِرَاقِ رُوحِهِ بِذَكَاتِهَا، وَلَمْ يَحِلَّ إِذَا خَرَجَ حَيًّا، لِأَنَّ رُوحَهُ لَمْ يَفُتْ بِذَكَاتِهَا.

وَالثَّانِي: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ حَيًّا فِي الذَّكَاةِ بِخُرُوجِهِ مَيْتًا كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مَيْتًا كَانَتْ دِيَتُهُ مُعْتَبِرَةً بِأُمِّهِ، وَإِذَا خَرَجَ حَيًّا كَانَتْ دِيَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِنَفْسِهِ، كَذَلِكَ فِي الذَّكَاةِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَبَرَ خَارِجٌ عَنِ الْمَيْتَةِ؟ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ ذَكَاتِهَا فَأَلْقَتْهُ مَيْتًا حَرُمَ؟ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ.

وَالثَّانِي: إنَّ عُمُومَ الْآيَةِ مَخْصُوصٌ فِي الْجَنِينِ بِالْخَبَرِ، كَمَا خُصَّتْ فِي الْحُوتِ وَالْجَرَادِ، وَمُلْحَقٌ بِالْحُوتِ وَالْجَرَادِ؟ لِمَا ذَكَرْنَا مِنِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْأُمِّ، فَهُوَ أَنَّ ذَكَاتَهَا مَقْدُورٌ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَحِلَّ إِلَّا بِهَا، وَذَكَاةُ الْجَنِينِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا، فَحَلَّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى ذَكَاتِهِ لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِهَا كَالْأُمِّ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَيْهِ، إِذَا خَرَجَ مَيْتًا؛ لِأَنَّهُ يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاتِهِ حَيًّا، فَاعْتُبِرَتْ؛ وَلِأَنَّهُ يُقَدَرُ عَلَى ذَكَاتِهِ ميتاً فسقطت.

<<  <  ج: ص:  >  >>