للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّحْرِيمَ مَقْصُورٌ عَلَى لَحْمِهِ دُونَ شَحْمِهِ اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ التَّحْرِيمَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهِ، وَخُصَّ النَّصُّ بِاللَّحْمِ تَنْبِيهًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) {البقرة: ١٧٣) يُرِيدُ بِالْإِحْلَالِ: الذَّبْحَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا ذَبْحَ مَا قَرَّبُوهُ لِآلِهَتِهِمْ جَهَرُوا بِأَسْمَاءِ آلِهَتِهِمْ عِنْدَ الذبح.

ومن قوله: {لِغَيْرِ اللهِ} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.

وَالثَّانِي: مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غير اسْمُ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ، قَالَ عَطَاءٌ، وَهُوَ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ حَرَامٌ، فَانْتَهَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّحْرِيمِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ لِلْمُضْطَرِّ، فَقَالَ: {فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ) {البقرة: ١٧٣) ومن {اضْطُرَّ} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ افْتُعِلَ مِنَ الضَّرُورَةِ.

والثاني: أنه من إصابة الضر وفي {غَيْرَ بِاغٍ وَلاَ عَادٍ} ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْإِمَامِ بِعِصْيَانِهِ وَلَا عَادٍ عَلَى الْأُمَّةِ بِفَسَادِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ.

وَالثَّانِي: غَيْرَ بَاغٍ فِي أَكْلِهِ فَوْقَ حَاجَتِهِ وَلَا عَادٍ بِأَكْلِهَا، وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهَا، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ.

وَالثَّالِثُ: غَيْرَ بَاغٍ فِي أَكْلِهَا شَهْوَةً، وَتَلَذُّذًا، وَلَا عَادٍ بِاسْتِيفَاءِ الْأَكْلِ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ، وَهُوَ قَوْلُ السدي.

وفي قوله: {فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: فَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا.

وَالثَّانِي: فَلَا مَنْعَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ إِبَاحَةُ أَكْلِهَا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ مِنْ عُمُومِ تَحْرِيمِهَا مَعَ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ شُرُوطِ الْإِبَاحَةِ.

وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ من محكمات السور التي لم يرده بَعْدَهَا نَسْخٌ، وَاخْتُلِفَ هَلْ نَزَلَ بَعْدَهَا فَرْضٌ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ) {المائدة: ٣) . وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ في تلك الآية، وزاد فقال: {وَالْمُنْخَنِقةُ} وَهِيَ الَّتِي تَخْتَنِقُ بِحَبَلِ الصَّائِدِ، وغيرِهَ حَتَّى تموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>