وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ فِي أَصْحَابِهِ بِالسِّهَامِ، فَأَضَافَ رميهم إليه؛ لأنهم رموا عنه، ومن قوله: {وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) {الأنفال: ١٧) تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ: وَمَا ظَفِرْتُمْ إِذْ رَمَيْتُ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَظْفَرَكُمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ مَا أَرْسَلَهُ مِنَ الرِّيحِ الْمُعَيَّنَةِ لِسِهَامِهِمْ، حَتَّى أَصَابَتْ، فَلَمَّا أَعَانَهُمُ اللَّهُ عَلَى الرَّمْيِ كَانَ كُلُّ عَوْنِ عَلَيْهِ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ مَعَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ نَاقَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تُسَمَّى " الْعَضْبَاءَ " فَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، فَسَبَقَهَا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ النَّاسُ شَيْئًا إِلَّا وَضَعَهُ اللَّهُ ".
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الخيل التي لم تضمر منه الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ لَهَا وَقِيلَ: إِنَّ مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةَ أَمْيَالٍ، وَمِنْ ثَنْيَةِ الْوَدَاعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ: " سَابَقَنِي رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقَنِي، فَسَبَقَنِي، فَقَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ هَذِهِ بِتِلْكِ ".
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " الْخَيْلُ معقودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُمْ يَرْمُونَ، فَقَالَ: " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمِ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَذْرَعِ، فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ، قِسِيَّهُمْ، وَقَالُوا: مَنْ كُنْتَ مَعَهُ غَلَبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ ".
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ أحد: " ارم فداك أبي وأمي "، اثنتي عشرة مَرَّةً وَدَعَا لَهُ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ، وَسَدِّدْ رَمْيَتَهُ " وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " احْضُرُوا الْهَدَفَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحْضُرُهُ، وَإِنَّ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ لَرَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ".