وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَبْذُلَهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ , وَلَا يَبْذُلَهُ لِجَمِيعِهِمْ، كَأَنَّهُ بَذَلَ لِلْأَوَّلِ عوضاُ وَلِلثَّانِي عوضاُ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ خَاصٌّ يُقَالُ لِلسَّابِقِ الْأَوَّلِ: الْمُجَلِّي , وَالثَّانِي: الْمُصَلِّي , وَالثَّالِثُ: التَّالِي , وَالرَّابِعُ: البارع , والخامس: المرتاح , والسادس: الحظي , وَالسَّابِعُ: الْعَاطِفُ , وَالثَّامِنُ: الْمُؤَمِّلُ , وَالتَّاسِعُ: اللَّطِيمُ , وَالْعَاشِرُ: السُّكِّيتُ , وَلَيْسَ لِمَا بَعْدَ الْعَاشِرِ اسْمٌ إِلَّا الَّذِي يَجِيءُ آخِرَ الْخَيْلِ , كُلِّهَا , يُقَالُ لَهُ: الْفُسْكُلُ , فَإِذَا بَذَلَ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ , فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ السَّابِقِ وَالْمَسْبُوقِ , فَيَجْعَلَ لِلْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْمُجَلِّي عَشَرَةً , وَيَجْعَلَ لِلثَّانِي الَّذِي هُوَ الْمُصَلِّي تِسْعَةً , وَالثَّالِثَ الَّذِي هُوَ التَّالِي خَمْسَةً وَالرَّابِعَ الَّذِي هُوَ الْبَارِعُ أَرْبَعَةً , وَالْخَامِسَ الَّذِي هُوَ الْمُرْتَاحُ ثَلَاثَةً , وَلَا يَجْعَلُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ شيئاُ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَنَعَ الْمَسْبُوقِينَ وَنَاضَلَ بَيْنَ السَّابِقِينَ , فَحَصَلَ التَّحْرِيضُ فِي طَلَبِ التَّفَاضُلِ , وَخَشْيَةِ الْمَنْعِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا أَنْ يُجْعَلَ لِلسَّابِقِ عَشَرَةٌ , وَلِلْمُصَلِّي خَمْسَةٌ , وَلَا يُجْعَلَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ شيئاُ , فيكون السابق خمسة والمصلي واحداً , فَيَقْسِمُ الْخَمْسَةَ السَّابِقِينَ بِالْعَشَرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ دِرْهَمَانِ , وَيَنْفَرِدُ الْوَاحِدُ الْمُصَلِّي بِالْخَمْسَةِ , وَإِنْ صَارَ بِهِمَا أَفْضَلَ مِنَ السَّابِقِينَ , لِأَنَّهُ أَخَذَ الزِّيَادَةَ لِتَفَرُّدِهِ بِدَرَجَتِهِ , وَلَمْ يَأْخُذْهَا لِتَفْضِيلِ أَصْلِ دَرَجَتِهِ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ فِي دَرَجَتِهِ , فَيَقِلَّ سَهْمُهُ عَنْ سَهْمِ مَنْ بَعْدَهُ , ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إِذَا جَعَلَ لِلتَّالِي شَيْئًا ثَالِثًا , فَحَصَلَ مِنْ كُلِّ دَرَجَةٍ انْفِرَادٌ أَوِ اشْتِرَاكٌ، وَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الْمُنْفَرِدُ بِسَبَقِ دَرَجَتِهِ، وَيَشْتَرِكَ الْمُشْتَرِكُونَ بِسَبَقِ دَرَجَتِهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُسَوِّي فِيهِمْ بَيْنَ سَابِقٍ وَمَسْبُوقٍ كَأَنَّهُ جَعَلَ لِلسَّابِقِ عَشَرَةً وَلِلْمُصَلِّي عَشَرَةً، وَفَاضَلَ بَيْنَ بَقِيَّةِ الْخَمْسَةِ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى التَّحْرِيضِ، أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ السَّابِقِ وَالْمَسْبُوقِ فَإِذَا تَسَاوَيَا فِيهِ بَطَلَ مَقْصُودُهُ فَلَمْ يَجُزْ وَكَانَ السَّبَقُ مِنْ حَقِّ الْمُصَلِّي الَّذِي سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَابِقِهِ بَاطِلًا وَلَمْ يَبْطُلْ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، وَفِي بُطْلَانِهِ فِي حَقِّ مَنْ عَدَاهُ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي الَّذِي بَطَلَ السَّبَقُ فِي حَقِّهِ، هَلْ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْبَاذِلِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْبَاذِلِ لِأَنَّ مَنْعَهُ عَائِدٌ عَلَيْهِ، لَا عَلَى الْبَاذِلِ.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّبَقُ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُ، بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ يجوز أن يفضلوا به عن من سَبَقَهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ إنَّ لَهُ عَلَى الْبَاذِلِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، لأن من