لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي فِعْلِهِ مَعَ وُرُودِ السُّنَّةِ عَنِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ بِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ بِقَوْمٍ يَرْمُونَ، فَقَالَ: " ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي الْأَذْرَعِ "، فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ قِسِيَّهُمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كُنْتَ مَعَهُ غَلَبَ، فَقَالَ: " ارْمُوا، فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا حِزْبَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَ النِّضَالِ التَّحْرِيضُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ، وَهُوَ فِي الْأَحْزَابِ أَشَدُّ تَحْرِيضًا وَأَكْثَرُ اجْتِهَادًا، فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فِي الْحِزْبَيْنِ، كَجَوَازِهِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ، فَلِصِحَّتِهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ:
أحدهما: أَنْ يَتَسَاوَى عَدَدُ الْحِزْبَيْنِ، وَلَا يُفَضَّلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَيَكُونُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً أَوْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ فُضِّلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِرَجُلٍ بَطَلَ الْعَقْدُ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مَعْرِفَةُ أَحَذَقِ الْحِزْبَيْنِ؛ فَإِذَا تَفَاضَلُوا تَغَالَبُوا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لَا بِحِذْقِ الرَّمْيِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمْ بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنُوا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِذْنٍ وَاخْتِيَارٍ فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهِمْ مَنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُمْ بَطَلَ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يُعَيِّنُوا عَلَى مُتَوَلِّي الْعَقْدِ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ فِيهِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمْ، وَنَائِبًا عَنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، فَلَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِالتَّعْيِينِ وَيُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ زَعِيمُ كُلِّ حِزْبٍ أَحْذَقَهُمْ وَأَطْوَعَهُمْ، لِأَنَّ صِفَةَ الزَّعِيمِ فِي الْعُرْفِ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا فِي الصِّنَاعَةِ مُطَاعًا فِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ تَقَدَّمُوهُ فِي الرَّمْيِ وَأَطَاعُوهُ فِي الِاتِّبَاعِ جَازَ، وَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ فِي الرَّمْيِ، وَلَمْ يُطِيعُوهُ فِي الِاتِّبَاعِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنَّ غَيْرَ الْمُطَاعِ لَا تَنْفُذُ أَوَامِرُهُ.
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ زَعِيمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحِزْبَيْنِ غَيْرَ زَعِيمِ الْحِزْبِ الْآخَرِ لِتَصِحَّ نِيَابَتُهُ عَنْهُمْ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِمْ مَعَ الْحِزْبِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ زَعِيمُ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ فِي الْعَقْدِ بَائِعًا مُشْتَرِيًا.
وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ: أَنْ يَتَعَيَّنَ رُمَاةُ كُلِّ حِزْبٍ مِنْهَا، قَبْلَ الْعَقْدِ، بِاتِّفَاقٍ وَمُرَاضَاةٍ، فَإِنْ عَقَدَهُ الزَّعِيمَانِ عَلَيْهِمْ لِيَقْتَرِعُوا عَلَى مَنْ يَكُونُ فِي كُلِّ حِزْبٍ لَمْ يَصِحَّ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ الْحِزْبَانِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً، فَيَقُولَ الزَّعِيمَانِ: نَقْتَرِعُ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتِي عَلَيْهِ كَانَ مَعِي، وَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَلَيْهِ كَانَ مَعَكَ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ أَصْلٌ فِي عَقْدٍ، فَلَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ عَلَى الْقُرْعَةِ، كَابْتِيَاعِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ بِالْقُرْعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute